اقتصاد المعرفة ومستقبل التنمية بمصر

 
تزايد الحديث عن اقتصاد المعرفة يوما بعد يوم، ضمن أجندات كبريات الدول المتقدمة، كقاطرة للتنمية المتطورة، تقوم على الاستثمار فى رأس المال البشرى، ودعم الابتكار وتوظيف التكنولوجيا المتقدمة فى تعزيز رفاهية الإنسان.

 

يعتمد هذا الاقتصاد الحديث على صناعة المعرفة، فإذا كان رأس المال، والعمل، والأرض، العوامل الرئيسيّة للعملية الإنتاجيّة فى الاقتصادات القديمة، فإن الإبداع، والمعلومات، والذكاء، والمعرفة التقنية أحد المكونات الأساسيّة للإنتاج فى اقتصاد المعرفة. ومن ثم يقوم هذا الاقتصاد الحديث على الاستثمار فى رأس المال البشرى.
ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة فإنّ اقتصاد المعرفة يسيطر على 7% من الناتج الإجماليّ المحليّ بالعالم، ويشهد نموّاً سنويّاً بمعدّل يتراوح بين 10%و50% تقريباً من الناتج الإجماليّ للدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبيّ. ولتوضيح المدى الذى بلغه اقتصاد المعرفة نعرض مثالاً لذلك: أبل التى تعد أكبر شركة من حيث القيمة السوقية فى التاريخ الصناعى الحديث، حيث تجاوزت قيمة أسهمها هذا العام 933 مليار دولار، متخطية بذلك كبريات شركات العالم فى مجالات النفط والغاز والسيارات والعقارات، ومن ثم فإن الثروة المعرفية – من اختراعات وابتكارات – أثبتت أنها أغلى من الثروات الطبيعية ، فأجهزة الهواتف الذكية على سبيل المثال تباع بآلاف الجنيهات فى حين أن قيمة المواد الخام المصنوعة منها هذه الهواتف مثل الزجاج والبلاستيك تقدر ببضعة جنيهات. ولا يمكن تحقيق اقتصاد المعرفة إلا بشباب مؤهل بأدوات العصر. ولهذا السبب اختارت قمة المعرفة 2018.. الشباب ومستقبل اقتصاد المعرفة، عنوانا لنسختها الثالثة التى انعقدت بدبى خلال الأيام القليلة الماضية وناقشت عددا من القضايا ذات العلاقة، ومنها سبل تنمية رأس المال البشرى والمعرفى، وطرق تحويل المجتمعات العربية من مجتمعات مستهلكة للمعرفة إلى منتجة لها، ودور القوانين والتشريعات فى تمكين اقتصاد المعرفة، وقصص نجاح مجموعة مميزة من روّاد الأعمال الشباب. ويحتاج اقتصاد المعرفة إلى مجموعة من المتطلبات الرئيسيّة؛ من أهمهّا توفير بنية اتصالات وتكنولوجيا معلومات وتطوير القوانين. وتطوير رأس المال البشريّ؛ عبر توفير الدول للمناخ المُساعد للمعرفة. وبناء منظومة فعّالة للتكنولوجيا والعلم، ودعم انتشار ثقافة الابتكار، والإبداع، والبحث العلمى.
هذه الحقائق ليست غائبة عن الرؤية المصرية لمستقبل التنمية، فقد تضمنت وثيقة مصر للتنمية المستديمة محوراً عن رؤية مصر للمعرفة والابتكار والبحث العلمى، وذكرت هذه الوثيقة، التى أطلقتها الحكومة المصرية عام 2015، أن الرؤية الاستراتيجية للمعرفة والبحث العلمى والابتكار تتبلور فى أن تكون مصر بحلول عام 2030 مجتمعاً مبدعاً ومبتكراً ومنتجاً للعلوم والتكنولوجيا والمعارف، يتميز بوجود نظام متكامل يضمن القيمة التنموية للابتكار والمعرفة، ويربط تطبيقات المعرفة ومخرجات الابتكار بالأهداف والتحديات التنموية. وواكب إصدار هذه الوثيقة اعتماد مجلس الوزراء الاستراتيجية القومية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار 2030 التى أعدتها وزارة للبحث العلمى. ولكن تحقيق هذه الرؤية لا يكفى له وضع الاستراتيجات وانما يتطلب افعالا على الأرض، حيث يقيس العالم المعرفة عبر مؤشرات علمية، فهناك مؤشرات لاقتصاد المعرفة، مثل: نسبة المعرفة ضمن أسعار الخدمات والسلع. ومعدل تجارة المعرفة ضمن الميزان التجاريّ الخاص بكلّ دولة. والمؤشرات الخاصة بمدى توافرالإنترنت، والهواتف، والمحتوى الرقميّ، وحقوق الملكيّة الفكريّة، وبراءات الاختراع. وعدد السنوات الخاصة بالتدريب والدراسة، وحجم الانفاق على البحث والتطوير كنسبة من الناتج المحلى الاجمالى. ومن ثم فإن مفتاح القيمة فى اقتصاد المعرفة هو مدى تنافسية رأس المال البشرى، فلا يمكن نقل ملكية المعرفة من طرف لآخر عكس عناصر الإنتاج، حيث يتم التركيز على اللاملموس كالأفكار والعلامات التجارية، بدلاً من الآلات والأصول المالية.
وتتطور باستمرار النظرة إلى أهمية الاستثمار فى المعرفة لتحقيق التنوع الاقتصادى، لذا تم تطوير مؤشر للمعرفة عام 2016 ليربطها بالتنمية، وهذا مؤشر نتاج مبادرة مشتركة بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائى ومؤسّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة. وركز على قياس 7 مؤشرات قطاعية، تضم التعليم قبل الجامعى، والتعليم التقنى والتدريب المهنى، والتعليم العالى، والبحث والتطوير والابتكار، وتكنولوجيا المعلومات والاتّصالات، والاقتصاد، والبيئات التمكينية. وتعلن نتائج هذه المؤشر العالمى للمعرفة سنويا خلال اجتماعات قمة المعرفة بدبى، والذى شمل هذا العام 134 دولة، حيث تصدرت سويسرا نتائج المؤشر، تلتها فنلندا فالسويد، فالولايات المتحدة. وعربيا تصدرت الإمارات، لتحتلّ المرتبة الـ 19، وتلتها البحرين (المرتبة 44) والكويت (50) وعمان (62) والسعودية (66) بينما جاءت مصر فى المرتبة الـ 99 والجزائر 104. وبغض النظر عن مدى دقة المؤشر أو وجود مؤشرات أخرى قد نكون أحرزنا تقدما أكثر فيها، فإنه لا يزال أمامنا الكثير للاستجابة الصحيحة لمتطلبات اقتصاد المعرفة!

Similar Posts