الاستثمار الأجنبى فى مصر خلال العشرين عاماً القادمة.. رؤية مستقبلية

 
 
 
الاستثمار الأجنبى فى مصر خلال العشرين عاماً القادمة.. رؤية مستقبلية
 

منذ عشرين عاماً مضت وتحديداً فى سبتمبر 1995، انطلقت أولى دورات مؤتمر
يورومنى فى
 

القاهرة. وعلى مدار عقدين كاملين، قمنا برصد وتحليل ومناقشة أهم الفرص
الاستثمارية والتحديات
 

التى تواجه الاستثمارات الأجنبية فى مصر، من خلال مؤتمراتنا وأبحاثنا وإصداراتنا
المتخصصة بلا
 

توقف، ولا ننوى التخلى عن هذا الدور فى المستقبل. من ناحية أخرى، وفى عام
1995 أيضاً،

وصل الناتج المحلى الإجمالى فى مصر لحوالي61 مليار دولار، بينما بلغ هذا الرقم
فى العام
 

الماضى ما يُقدر بحوالى 270 مليار دولار، وهو ما يعنى 4 أمثال الناتج المحلى

قبل حوالى 20
 

عاماً. ولكن يبرز سؤال هام: هل أصبحت مصر أغنى 4 مرات، مع تضاعف ناتجها
المحلى بنفس
 

المعدل؟ والإجابة بالنسبة لى: لا. إنّ الأرقام تدعم وجهة نظرى تماماً، فقد ارتفع
عدد السكان فى
 

مصر خلال نفس الفترة من 60 إلى 80 مليون نسمة، ومع ذلك لم يرتفع نصيب
الفرد من الناتج
 

المحلى الإجمالى (بعد تعديل القوة الشرائية) سوى لأكثر من الضعف فقط (من 5000 دولار إلى 10,500
 

دولار). ومع ضبط معدلات التضخم والعديد من المؤشرات الاقتصادية الأخرى، نجد
أن مصر
 

أصبحت أكثر عدداً ولكنها بكل تأكيد لم تصبح أكثر ثراء، وذلك عند مقارنة الوضع
الحالى بالأوضاع
 

الاقتصادية قبل 20 عاماً. ولا يشكل ذلك مفاجأة بالنسبة لى، لقد تمكن عدد قليل
جدا من
 

المجتمعات فى العالم من الجمع بين النمو السكانى الهائل وازدياد الثروة. فمعظم
البلدان يزداد عدد
 

سكانها أولاً ثم تزداد ثرواتها فى مرحلة تالية. وفى مصر، تبرز هذه الحقيقة
بصورة جلية، خاصة
 

مع نقص الأراضى المنتجة والآثار المترتبة على الاستعمار والاشتراكية وضعف
النظام التعليمى. لذا
 

أعتقد أن المتخصصين والمحللين سيذكرون أن مصر نجحت فى إدارة كل ما مرت
به من ظروف
 

وتحديات صعبة، دون أن يتسبب ذلك فى حدوث موجات واسعة من عدم الاستقرار
أو الاضطرابات
 

أو المعاناة. إنها ليست قصة فشل ولكنها قصة نموذجية للإفلات من تحديات
اقتصادية ضخمة بأقل
 

خسائر ممكنة. من ناحية أخرى، شهدت تلك الفترة الكثير من الإيجابيات، فعلى
الرغم من كل ما
 

حدث، فقد أصبح المستثمرون الأجانب جزءاً أساسياً فى حياة المصريين، حيث
أقاموا شركات
 

ومصانع ناجحة منحت المصريين الآلاف من فرص العمل، هذا إلى جانب قيامها
بإنتاج كل ما
 

يحتاجه المواطنون من سيارات ومنسوجات ومعدات وأجهزة الاتصالات وغيرها.
كما يشهد القطاع
 

المالى فى مصر أيضاً استقراراً واضحاً بفضل مجموعة من أفضل البنوك المصرية
الرائدة والأكثر
 

احترافية فى المنطقة. أما بالنسبة للعشرين عاماً القادمة فإنها تمثل أهمية بالغة
لمصر، حيث يدخل
 

جيل الألفية الجديدة لسوق العمل وهو جيل له مطالب أكثر بكثير من سابقيه،
فبمجرد أن يتزوجوا
 

وينجبوا ستزداد الضغوط على البنية التحتية والتعليم والصحة بشكل هائل. فى نفس
الوقت ليس من
 

المتوقع أن تصل مصر لحالة من الاستقرار السكانى قبل حلول عام 2030 ليصل
عدد المصريين
 

وقتها إلى 100 مليون نسمة، وهو ما ينبئ بالمزيد من الضغوط على الدولة. من
ناحية أخرى،
 

كان للمؤتمر الاقتصادى الذى عقد مؤخراً فى شرم الشيخ، رؤية شاملة وموسعة
لمستقبل مصر
 

الاقتصادى فى السنوات القادمة. ولكن بقدر ما كان المحللون مدهوشين
بالمشروعات العملاقة التى
 

ناقشها المؤتمر، كانوا أيضاً متشككين فى قدرة الدولة على تنفيذ تلك المشروعات.
أن هذه
 

المشروعات الطموحة أكثر بكثير من كونها رؤى ومشروعات على ورق، ولكنها
مشروعات حتمية
 

لابد من تنفيذها للنهوض بالاقتصاد، لذا يجب على مصر الخرج من الوادى الضيق
والتوسع فى
 

تنمية الأراضى التى تفتقر للموارد من أجل إيجاد حلول جذرية للتحديات القائمة، كما
يجب أن تجد
 

الدولة سبلاً عملية للتعليم المتطور والرعاية الصحية لهذا العدد المتنامى من
السكان. ولا يمكن
 

تحقيق هذا إلا بالتخلى عن سياسة الأيدى المرتعشة. ومن وجهة نظرى لا يمكن
لمصر أن تحقق
 

رؤيتها فى التنمية الاقتصادية بدون الاستثمارات الأجنبية والتمويل والخبرات.
فالشراكات الأجنبية
 

مع دول العالم أصبح أمراً حتمياً، ولا يمكن أن تكون مصر مُقيدة لشركائها الأجانب،
بل يجب تهيئة
 
 
بيئة صالحة لرؤوس الأموال الأجنبية، مع توفير أكبر قدر من الشفافية فى التعامل
معها. من ناحية
 

أخرى تحتاج الحكومة المصرية للاستعانة بكفاءات وخبرات استثمارية عالية
التدريب والمهارات فى
 

الهيئات المسئولة عن الاستثمار، كما يجب تشجيع القطاع الخاص المحلى على
تحمل المخاطر
 

والأخذ بزمام المبادرة ليكون فى صدارة المشهد الاقتصادى فى مصر. فمع غياب
المستثمرين
 

المحليين، لن يأتى الكثير من المستثمرين الأجانب إلى مصر. لقد أصبحت الشراكات
من الأمور
 

الضرورية فى الاقتصاديات الحديثة. وعلى الرغم من حبى الشديد لهذا البلد، إلا
أننى أجد مصر
 

دولة غير جاذبة للاستثمار فى بعض الأحيان. فالرغبة المعلنة والصادقة لتحقيق
نمو شامل
 

واستثمار مستدام، غالباً ما لا يتم تطبيقها على أرض الواقع. لذا ليس من السهل
دائماً نجاح
 

الاستثمارات الأجنبية فى مصر، وهو الأمر الذى لابد أن يتغير للأبد. ومن وجهة
نظرى، ترغب
 

رؤوس الأموال الأجنبية والخبرات والتكنولوجيا فى القدوم إلى مصر واستغلال
الفرص الاستثمارية
 

بها، ولكنها تأمل فى تشريعات مرنة وشفافية كبيرة. ولم تصبح مساهمات

المستثمرين فى تنمية
 

المجتمع المحلى أو تحقيق الشمولية الاقتصادية بالدولة من الأعباء التى تقلق
المستثمر الأجنبى
 

الذى يكره حالة عدم التأكد والضبابية والبيروقراطية أكثر من أى شىء آخر. فإذا
كانت مصر تريد
 

حقا أن شغل مكانة مرموقة ضمن قائمة الدول متوسطة الدخل بحلول عام 2035
فإنها تستطيع
 

ذلك بالفعل، ولكن كل ما تحتاجه هو تطبيق أفضل الممارسات الاقتصادية لتشجيع
الاستثمار والقضاء
 

على البيروقراطية، لتصبح الدولة محفزة للاستثمار بدلاً من أن تكون عقبة فى
طريقه. * ريتشارد
 

بانكس- مستشار التحرير والرئيس التنفيذى لشركة RMBanks للاستشارات
الاستثمارية.
 

يرأس ريتشارد الدورة العشرين لمؤتمر يورومنى فى القاهرة، والذى سيعقد على

مدار يومى 7-8
 

سبتمبر القادم. تعبر هذه المقالة عن وجهة نظر الكاتب.

Similar Posts