الشخصية المصرية والمواطنة فى المناهج الدراسية

الشخصية المصرية والمواطنة فى المناهج الدراسية

المناهج الدراسية هى محتوى التعليم وأداته الرئيسية لتحقيق أهدافه، والمنهج يشمل

الكتاب المدرسى المقرر وما يرتبط به من أنشطة وطرق تدريس وامتحانات، وتقوم

المناهج الدراسية على محاور ثلاث أساسية، هى المتعلم ومرحلته العمرية والعقلية التى

تشير إلى إدراكاته وقدراته، والعلم نفسه الذى يقدمه المنهج وطبيعة ذلك العلم وأدواته

ونظرياته، وأخيرًا المجتمع وطبيعته وحاجاته وأهدافه. ومن هنا تعكس المقررات الدراسية

رؤية مؤلفيها للمحاور الثلاث السابقة، وفى محور المجتمع تهتم المناهج الدراسية بتعريف

الطلاب بمجتمعهم وطبيعته وشخصيته فى ضوء معطيات التاريخ والجغرافيا والسكان وأنماط

الإنتاج وطبيعة المجتمعات المحلية وعلاقاتها، كما تتجلى فى أنماط الإبداع واللغة والثقافة والقانون والعادات والتقاليد وغيرها.

ويعرض هذا التقرير لبعض سمات الشخصية المصرية والمواطنة كما تبدو فى كتاب التربية

الوطنية للصف الأول الثانوى، وقد وقع اختيارنا على ذلك الكتاب لأن مؤلفيه قد حددوا

موضوعه بعنوان: “انا المصرى”، وبالتالى فقد قصد مؤلفوه مباشرة الحديث عن الشخصية

المصرية، أما المقررات الأخرى فربما تناولت سمات الشخصية المصرية ولكن ذلك سيكون

بشكل عارض ونادر فى نفس الوقت (على أحمد الجمل وآخرين، كتاب التربية الوطنية، أنا

المصرى، للصف الأول الثانوى، وزارة التربية والتعليم، للعام الدراسى 2013 – 2014).

فى الفصل الأول من الكتاب وهو بعنوان: شخصيتنا المصرية (إرادة – عمل – بناء) يتناول

الكتاب: تأثير الشخصية المصرية فى الحضارة الإنسانية، ثم العوامل التى أثرت فى تكوين

الشخصية المصرية وهى عبقرية المكان والوحدة والتجانس البشرى والتحديات والمخاطر

الخارجية والتواصل الحضارى، وأخيرًا يتناول الفصل الأول سمات الشخصية المصرية.

وفى الفصل الثانى يتناول: المواطنة الصالحة – قيم وسلوكيات – ثم الوطن المواطنة

والمواطنة عبر التاريخ والمواطنة فى الدستور المصرى ثم أبعاد الهوية، ويتناول الفصل الثالث

الشباب والتغير الاجتماعى، ومفهوم الشباب وأهميته وخصائص الشباب والمخاطر المهددة

للشباب، والسياسات الوطنية للشباب وأدواره فى المجتمع.

وينتهى الكتاب بالفصل الرابع وعنوانه: عقول مصرية وإنجازات عالمية ويتناول فيه مجموعة

من المبدعين والعلماء المصريين مثل: عصام محيى ومصطفى إبراهيم الفياض وعزة إبراهيم

الفياض والمخترع طارق محمود ومحمد عويبة وعبقرى الرياضيات عمر عثمان، وعمرو

محمد ومحمود وائل وجنى إبراهيم القناوى وسلمى شريف وجيه، وهم مجموعة متنوعة منهم

مخترعون صغار وعلماء رياضيات وفلك.

ويتحدث الكتاب عن ثورة يناير 2011، كأحد تعبيرات الشخصية المصرية التى عبرت عن

نفسها فبهرت العالم بخروجها فى ثورة مجيدة طالبت بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية

لتقدم لشعوب الأرض نموذجًا فريدًا فى الإرادة والكفاح والدفاع عن الحقوق والحريات (ص8).

كما يقول عن واحدة من سمات الشخصية المصرية وهى التماسك الوطنى، ” ففى ثورة 25

يناير تجلت الوحدة الوطنية للشعب بكل طوائفه وبكل انتماءاته وبكل قواه الاجتماعية

والسياسية ففى ثورة 25 يناير خرجت جموع المصريين مسلمين ومسيحيين من أجل حرية

وكرامة المصريين ولعل ما شهدناه فى ميدان التحرير من وقوف الشباب القبطى متشابكى

الأيدى ليكونوا دروعا بشرية وطوقا أمنيا لحماية إخوانهم المسلمين اثناء تأدية الصلاة، وهى

صورة معبرة عن الوحدة الوطنية فى أروع صورها ” (ص47).

وعلى الرغم من تلك المواكبة لأحداث ثورة يناير 2011، إلا أن الكتاب لا يقدم تحليلا

لأسبابها وخاصة ما ارتبط منها بإهدار قيمة المواطنة للمصريين جميعا وما يرتبط بها من

حقوق العمل والتعليم وتكافؤ الفرص والمشاركة السياسية ومختلف الحريات بعد أن هيمنت

على الحكم مجموعة محدودة من رجال المال والأعمال، والتى أحاطت بنظام الفساد والاستبداد

والتوريث، وكما اعتادت كثير من المقررات الدراسية فى العقود السابقة، عند الحديث عن مصر.

كما يتحدث الكتاب أيضًا عن المصرى كصانع للتاريخ، فيشير إلى تكريم القرآن لمصر بقوله

جل شأنه ” ادخلوا مصر انشاء الله آمنين” (سورة يوسف الآية 99)، ويشير إلى تكريم

الرسول (صلى الله عليه وسلم) للمصريين بقوله: “إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط،

فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما” (صحيح مسلم).

ويتناول الكتاب دور المصريين فى نشر الديانة المسيحية فى العالم وفهمهم الواسع للكتاب

المقدس ودور مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، وتأسيس الأب “انطونيوس” لنظام الرهبنة التى

انتقلت من مصر إلى العالم. ويتناول دور مصر فى الحضارة الإنسانية فى العصر الإسلامى،

ويذكر العديد من العلماء المسلمين الذين عاشوا فى مصر، والذين أسهموا بقسط وافر فى تقدم

الحضارة الغربية والإنسانية عامة، ثم يتحدث عن الأزهر الشريف كواحد من أهم المعاهد

العلمية التى يقصدها طلاب العلم من مختلف بقاع العالم الإسلامى، ويواصل الكتاب استعراضه

لجهود المصريين فى صناعة الحضارة حتى العصر الحديث.

ويتحدث الكتاب أيضًا عن تعاليم السيد المسيح عن العدل والمساواة، ومنها: “لا يكن بينكم

شئ بروح التحزب والافتخار بالباطل بل بالتواضع ليعتبر كل واحد منكم غيره أفضل كثيرا من

نفسه مهتما لا بمصلحته الخاصة فقط بل بمصالح الآخرين” (رسالة بولس الرسول إلى أهل

فيلبي، إصحاح ” 2 ” آيه 403) (ص 29).

والجديد هنا هو إشارة الكتاب للمكون المسيحى من مكونات الشخصية والتاريخ المصرى، فمنذ

عقود هيمنت الاتجاهات الإسلامية المتطرفة على الكتب والمقررات الدراسية وأصبح يقدم

لمختلف الموضوعات الدراسية بآيات من القرآن الكريم أو الحديث الشريف وخاصة فى

مقررات اللغة والاجتماعيات والتربية الوطنية، وكلما أمكن ذلك فى غيرها من المقررات، ولكن

كأثر من آثار ثورة يناير ظهرت آيات الانجيل والإشارات الواضحة للتراث المسيحى فى

المقررات الدراسية التى تتناول الشخصية المصرية ومكوناتها، وهو توجه محمود على كل

حال يعيد الاعتبار إلى مختلف مكوناتنا التاريخية ويعيد الاعتبار إلى التراث القبطى فى مصر

ويحاول إنقاذ التعليم من براثن التطرف الدينى، على الرغم من أن هناك جدلاً حادًا حول أهمية

وأثر الاستشهادات الدينية إسلامية كانت أو مسيحية فى الموضوعات الإنسانية والعلمية، وهو

الاتجاه الذى يرى حصر الاستشهادات الدينية فى مقررات التربية الدينية دون غيرها.

وحول سمات الشخصية المصرية المعاصرة، يقفز الكتاب مباشرة إلى عدد من السمات وضعها

فى الشكل التالى (ص 19)، دون تحديد المصدر الذى رجع إليه لتحديد تلك السمات هل

هناك دراسات معتمدة رجع إليها المؤلفون لتحديد تلك السمات، أم أنه قد تم تحديدها عبر

قراءات انطباعية عن الشخصية المصرية عبر تاريخها الطويل ومن ثم يأت الحديث عن التدين

ووضعه على رأس “شكل” سمات الشخصية كما بدا فى الشكل المرفق بعد الحديث عن

الإيمان بالبعث بعد الممات والإيمان بالثواب والعقاب والاهتداء إلى عقيدة التوحيد زمن

أخناتون فى أواخر الأسرة الثامنة عشر الفرعونية حول القرن الرابع عشر قبل الميلاد وهو

العهد الذى لم يتجاوز عقدين كاملين من الزمان عادت الدولة الفرعونية والنظام الفرعونى كله

إلى عقيدة أمون، وهل يكفى مثل هذا الحديث الذى يتناول بعض الأحداث التاريخية إلى وضع

سمة التدين على رأس سمات الشخصية المصرية. وفى هذا الإطار، يثور وجود أسماء معينة

ذات ميول دينية بين قائمة مؤلفى الكتاب علاقة بذلك، وإذا كان حديث التاريخ هو مبرر لوضع

سمة التدين فى هذا المكان البارز، فماهى مبررات اختيار تلك السمات الإضافية: التسامح

والانفتاح والعدل والصبر والمرح، وعلى أى أساس اختيرت تلك السمات دون غيرها من

سمات إنسانية، وماهى انعكاسات تلك السمات فى الواقع الفعلى والحياة المعاصرة والمباشرة،

وهل تلك السمات ثابتة لا تتغير بتغير الأزمان.

ونأتى إلى المواطنة باعتبارها التعبير العملى عن الشخصية المصرية فيعرفها الكتاب بقوله:

“المواطنة هى علاقة بين الفرد والدولة يحددها الدستور وينظمها القانون، وذلك من خلال ما

تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق متبادلة، حيث يتمتع المواطن بالحقوق التى تمنحها له

الدولة، كما يتحمل الواجبات التى تفرضها عليه، وذلك دون تمييز بين المواطنين بسبب الجنس

أو الأصل أو اللغة أو العرق أو الدين، فالمواطنة ليست مجرد ارتباط بالأرض فقط وإنما هى

عقد اجتماعى بين الإنسان ووطنه وكلما كان هذا العقد عادلاً ومتوازنًا وتمتع الإنسان بموجبه

فعليا بحقوقه وبالاحترام الواجب لحرياته وأدى ما عليه من واجبات يزداد إحساس الفرد

بالمواطنة وتزداد رغبته للتفانى فى خدمة وطنه”. (ص 29)

وفى ” مربع ” صغير بنفس الصفحة عبارة: “أن مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطن

يعيش فينا” دون إشارة إلى قائلها، ومن المعروف أن تلك العبارة معروف أنها للبابا الراحل

شنودة الثالث.

ويوضح الكتاب قيم المواطنة بالشكل التوضيحى التالى:

ولم يهتم الكتاب بتوضيح أسباب اختيار تلك القيم كقيم للمواطنة وهل هى فقط قيم المواطنة

دون سواها، ولم يوضح لماذا اختفت من الشكل قيم المشاركة أو تكافؤ الفرص مثلا أو الإيمان

بالقانون ودوره وفى نفس الوقت لا أحد يعرف ما مغزى وجود دائرتين شاغرتين بهذا الشكل

مع أن الكتاب لم يطلب من الطلاب وضع القيم التى يرون أنها تكمل دوائر المواطنة. وينبغى

التسليم بأن “المواطنة”، هى أبعاد التعلم الثلاثة:

أولاً، البعد القيمي أو الوجداني أو الاتجاهاتي: بما يعني الانتماء للوطن والاستعداد للبذل

والتضحية في سبيله، والحفاوة بتاريخه وتراثه ورموزه، وتقدير الدور الذي بذله رواده

وأبطاله ومفكروه، والشعور بعمق عاطفة الأخوة الوطنية – بصرف النظر عن الاختلافات

سابق الإشارة إليها – واحترام الدستور والقانون، والإيمان بمستقبل أفضل علي أرضه.

أما البعد الثاني للمواطنة فهو البعد المعرفي: الذي ينبغي أن يتضمن معارف عن الوطن

جغرافيته وأقاليمه وتركيبته السكانية والعرقية والدينية، وتاريخه، وأبرز أحداث ومنعطفات

وقادة ذلك التاريخ، كما ينبغي أن يتضمن المعرفة بالنظام السياسي وآليات عمله ومؤسساته

والدستور والقانون الذي يحكمها، والمعرفة بالأحزاب السياسية واتجاهاتها وصحفها وقادتها،

والمعرفة بمؤسسات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وكيفية تكونها وآليات

عملها، وواجباتها تجاه المواطنين، والمعرفة بأهم القضايا والمشكلات الوطنية كالفقر

وانخفاض مستوي المعيشة وحالة التعليم والبيئة، وتدني المشاركة السياسية والمجتمعية

وضعف الاهتمام بالعمل العام، ومشكلات المرأة، والمهمشين والأحياء العشوائية وعمالة

الأطفال والإدمان والبطالة والتطرف، وغيرها من مشكلات تخص تكوينات مختلفة من السكان

ولكنها تعتبر تحديات وطنية في المقام الأول. كما ينبغي أن تتضمن المعارف المواطنية معارف

حول التحديات المستقبلية، والتحديات الخارجية، ودور الوطن في الصراعات الدولية والإقليمية.

يبقي البعد الثالث للمواطنة وهو البعد المهاري أو السلوكي: إذ ينبغي أن يتدرب المواطن أو

الطالب علي قراءة القانون والدستور ومناقشتهما مع الآخرين، وعلي سماع نشرات الأخبار

ومناقشة ما جاء بها من قضايا تهم الوطن، وعلي استخراج بطاقة الانتخاب، ومهارات الترشح

للمجالس المختلفة ومهارات التصويت وتكوين جماعات الدعوة والضغط، ومخاطبة المؤسسات

التنفيذية والتشريعية، ومهارات متابعة التنفيذيين والتشريعيين، ومهارات الاتصال مع الآخرين،

ومهارات التعبير عن الراي والدفاع عن المواقف واحترام الأراء المخالفة تلك هي أبعاد

المواطنة الثلاث، إذا أرادت المقررات الدراسية أن تدعمها وتنميها، وتفسح لها المجال وتزيد

المواطنين تماسكا وانتماءً وولاءً لوطنهم. وأظن أن أحداث ثورة يناير وشهدائها وانجازاتها بل

ومحاولات الالتفاف عليها تقدم أساسًا راسخًا لدرس المواطنة الكبير.

Similar Posts