القرصنة المعلوماتية ودرهم الوقاية

بقلم – د .غسان قلعاوي تعد المعلوماتية المجال الأهم في النشاط الإنساني الحالي وفي جانبه الاقتصادي بالذات، مجال واسع وكبير جداً، مهم وخطر جداً، تجاوز، في أهميته وسعته وخطورته كل حدود توقعها خيال الإنسان، وهو مجال عالمي بلا حدود، فلا يمكن إنكار المزايا والتسهيلات والوفورات العظيمة التي حققتها المعلوماتية في حقول جمع وتخزين المعلومات والاطلاع عليها والتعامل معها إلى جانب فورية التواصل والاتصال على الصعيد العالمي ما يجعل ثورة المعلوماتية جديرة بأن تحمل عنوان الحقبة التاريخية الحالية فتدعى حقبة أو عصر الثورة المعلوماتية، عصر دخلت فيه تقنية المعلومات، إن لم تكن اقتحمت، كل بيت وأسرة ما يجعل البعض يرى أنه لابد من أن يعاد النظر في وسائل تلك التقنية وإجراءاتها لتهذيبها من بناها العولمية ومحاولة إدخالها في أطر عالمية إنسانية . حيث يبدو، لدى هذا البعض، أن المعلوماتية لم تحظ، حتى الآن، بتنظيم أممي يضبط ويقنن مسار تطورها السريع لذلك يحذر الكثيرون من الانفلات المعلوماتي أو الإلكتروني على الصعيد العالمي، انفلات فيه ملامح حرب إلكترونية شاملة قد تكون الحرب العالمية الثالثة التي ستكون حرباً معلوماتية إلكترونية . يقول دعاة ضرورة إعادة النظر إن المعلوماتية جمعت في تطورها الكثير من مثالب العولمة: الاحتكار والاستئثار والهيمنة والإصرار على تعظيم الكسب بشتى الوسائل، ومن تلك المثالب بشكل خاص: الاتجار بالعلم والمعلومة، استخدام المعلومة لتحقيق مصالح دولية أو فئوية خاصة قد لاتتناسب مع التطلع الإنساني والصالح الأممي العام، اتساع الجانب العبثي في المعلوماتية، فقدان الكثير من مقومات الأمن المعلوماتي، السرية والخصوصية المؤسساتية والشخصية، وهي مثالب خطرة تؤرق العالم الذي يخضعها إلى بحث مستفيض قد يصل بالمعلوماتية، يوماً إلى أداء أكثر عدلاً وإنساني وأوضح نفعا على الصعيد العالمي . الموضوع واسع جداً لكننا سنقف في هذه الزاوية عند ملامح جزئية الاتجار بالعلم والمعلومة حيث تتضح هذه الجزئية في قطاع المعلوماتية في جانبين: الأول يبدو في اعتماد سياسة التقادم السريع للأجهزة والنظم والبرامج، أما الثاني فيمكن أن يمثل جانب الفساد في الاتجار بالعلم ونقصد به القرصنة . ففي الجانب الأول من الواضح أن هناك استغلالاً تجاريا لتطور المعلوماتية، فما تمضي أيام حتى يصدر جديد يدعو إلى نبذ ما سبقه في هدر صريح للموارد والإمكانات . قد ينظر البعض إلى هذا الشكل من الاتجار بالعلم بأنه شطارة وقدرة على الإبداع والاختراع يحقق الثروات الطائلة ويشغل المزيد من البشر أو بالتعبير الاقتصادي يوفر المزيد من فرص العمل والتوظيف ويسهم في الرواج الاقتصادي . قد يكون ذلك صحيحاً من وجهة النظر الاقتصادية المبنية على مبدأ تعظيم الربح والثروة بصرف النظر عن الوسائل والنتائج، ذلك أنه لابد من النظر إلى هذا الأمر من جهة أخرى حيث تعد ظاهرة “الاتجار بالعلم” في أنشطة المعلوماتية ظاهرة مخلة “في جانب كبير منها” بأولويات النشاط الاقتصادي ووسائل التمويل الهادفة إلى الإنتاج الإنساني النافع المستدام، حيث تسهم بإخلالها هذا في هدر وتبديد الموارد إضافة إلى أنها تسهم في تركز الثروات واتساع الثغرة بين الغنى والفقر . ولعل الأخطر من التقادم والاهلاك السريع ظاهرة اتساع القرصنة الإلكترونية التي تمثل جانب الفساد في “الاتجار بالعلم”، وذلك عندما يتم التفنن والتطوير في عمليات القرصنة و”فيروساتها” ثم اختراع وطرح طرق الحماية منها في متوالية يبدو ألا نهاية لها، وهي متوالية تبدو وكأنها أخت غير شرعية تضيف لتجارة السلاح التقليدية التي تنتعش مع بث الفتن وإشعال الحروب العسكرية، تضيف إليها حروباً إلكترونية لها أربابها من تجار فيروساتها ونظم الحماية من تلك الفيروسات! مما يثير الشك والجدل، في بعض الأحيان، حول مصدر تلك القرصنة، وتحوم الشبهة حول ما إذا كان بعضها متعمداً هدفه ترويج المزيد من نظم الحماية وبرامجها، وربما كانت المنطقة العربية الأكثر استهدافاً لمثل هذا الاتجار المعلوماتي المخل بعد أن أصيبت شركتان عربيتان كبيرتان بفيروس شامون الذي وصف بالصاعقة التي من المتوقع أن “تنعش سوق البرمجيات الحمائية بالمنطقة العربية حيث تعاني الشركات بالمقارنة بمثيلاتها الغربية من بنية تقنية تحتية هشة” . واستناداً إلى ذلك، ومع أهمية العناية ببرامج الحماية ودعم الانفاق على البنية التقنية، يؤكد البعض إمكانية الوقاية إلى حد كبير من تلك القرصنة بتقنين وسائل التواصل الاجتماعي وبالحد من التوسع في استخدام تلك الوسائل في المؤسسات والدوائر والشركات وضبط وتنظيم الدخول إلى شبكات الشركات والدوائر والمؤسسات . تعد مثل هذه الدعوة للأخذ ببعض سبل الوقاية جديرة بالاهتمام، فإلى أن يمكن اعادة تنظيم وتقنين المعلوماتية من خلال جهد عالمي يعترف بأن العلم والتقنية نتاج إنساني أسهمت به مختلف الحضارات على مر التاريخ، وأنه بالتالي لابد من مراعاة أن يعم نفعه كل البشر، إلى أن يحين ذلك الزمن فلعله من الضروري اهتمام المجتمعات التي تتوسع في الاعتماد على المعلوماتية بممارسة المناسب من إجراءات الضبط والوقاية المجدية في معالجة بعض مثالب المعلوماتية انطلاقاً مما يمكن أن يمثله “درهم الوقاية” المعروف عنه أنه خير من “قنطار حماية وعلاج” . * نقلاً عن صحيفة الخليج .

Similar Posts