تحويل المخلفات الزراعية إلى منتجات صديقة للبيئة

 

الإنسان هو ابن بيئته وجزءٌ لا يتجزأ منها، فمن طين أديمها جُبلت أنسجته وخلاياه، ومن صخور جبالها شَّيد أبنيته ومأواه، ومن مائها شرب وارتوى، ومن غذائها أكل ونما، ومن خيوطها نسج واكتسى، ومع ذلك – وكعادته في الجحود والنكران- يتخيَّل أنَّ البيئة خصمه، وأنَّه لا بدَّ من مواجهتها ليصرعها وينتصر عليها، فهي – بنظره – سيدها المطلق، لذا يجب عليه إذلالها وتشويه معالم وجهها العذري، ناسياً أو متناسياً أنَّه يجب أن يكون صديقاً وفياً لها لا مستغِّلاً بشعاً، وأن يحيا معها متسالماً باعتبار أنَّ مواردها قد وُجدت لمصلحته ومصلحة الأحياء كافة، لأنَّ الأحياء إنما هي أجزاء مكمِّلة ومتكاملة في البيئة. ولكي لا تتباهى بيئته الطبيعية بذلك الوجه الجميل، خُيِّل له أنَّه إذا ما استطاع أن يفسد بدخانه وغازاته هواءها، ويبقر بآلات حفره بطنها، ويلوِّث بكيماويات مصانعه مياهها، ويقتلع بمناشره أشجارها، ويترك مخلَّفات زراعته بعد جني محاصيله بمناجله على أطراف أراضيه، ويرمي روث حيواناته على ضفاف الأنهار إن لم يحرقه ليزيد– بدون وعي وإدراكٍ منه – من حرارة كوكبه الأرضي، ظنَّاً منه أنَّه بذلك سينام قرير العين من وفرة الأرزاق، ومرتاح البال من رغد العيش. ولكنَّه عندما مشق قامته فرحاً مزهواً بانتصاراته على بيئته، ومايل رأسه غروراً بهذه الفتوحات، وجد نفسه أنَّه قد أفسد عيشه، وجلب الوبال على نفسه ومجتمعه، فأحدق به الخطر، إذ إنَّ الأمراض والمصائب قد حاصرته، فلم يجد أمامه سوى التباكي على بيئته التي كانت بكراً، ومزارعه الخضر، وهوائه النقي، ومائه العذب، هذا مع أنَّ الأخلاقيات تنادي بأن يعيش الناس مع بيئتهم في وفاق ضمن إطار من الأخلاق الإنسانية المبنية على العدالة الاجتماعية للجميع، ومن خلال التوفيق بين عالم الطبيعة وعالم التقنية.
ونظراً لأنَّ المخلَّفات والنفايات بأشكالها كافة زراعية وصناعية وعضوية تتراكم بشكلٍ كبير مشكِّلةً إحدى أهم المشكلات البيئية الكبرى في عالمنا الذي نعيش فيه، فإنَّ هذا يفرض على بني البشر الوقوف عندها ومعالجتها، وبذل الجهود لوضع الحلول المناسبة للقضاء عليها، وهذا ما دعا الدول لإيلائها اهتماماً متزايداً لما تسبِّبه من آثارٍ ضارة على الصحة العامة والبيئة، وفي الوقت ذاته يمكن تحويلها للحصول على منتجاتٍ صديقة للبيئة، فقد أقامت وزارة الدولة لشؤون البيئة في الجمهورية العربية السورية، وبالتعاون مع المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة “أكساد”، في شهر أيار 2013، مؤتمراً علمياً بعنوان: “الاستفادة من المخلَّفات الزراعية للحصول على منتجات صديقة للبيئة”، أُلقي فيه خمسة عشر بحثاً علمياً تعالج هذه القضية البيئية، ولاسيما من ناحية تحويلها لمواد نافعة بدلاً من رميها أو حرقها، ما ينجم عنها في كلا الحالين من مواد ضارة بالبيئة، وهذه الأبحاث هي من إعداد باحثين علميين متخصِّصين بالأنظمة البيئية وإدارتها.
–   البحث الأول بعنوان: “تصنيع الخشب الليفي متوسط الكثافة من بعض مخلَّفات صناعة زيت القطن وتحديد خصائصه الفيزيائية والميكانيكية والكيميائية”، لطالب الدكتوراة في كلية الزراعة بجامعة دمشق زياد الصواف الدوه جي.
   حتى يومنا هذا لا يوجد في سورية مصنع للخشب الليفي متوسط الكثافة (م د ف)، وهي ألواح خشبية ذات سماكة (1,5) سم مكوَّنةً من الألياف الليغنو سيللوزية، وتصنَّع بإضافة المواد اللاصقة (الغراء) إلى المواد الأولية الخشبية، وتحت تأثير الضغط والحرارة تتحوَّل إلى ألواحٍ خشبية، وهذه الألواح الخشبية يتم استيرادها حالياً من الخارج بكمياتٍ هائلة لتستخدم في صناعة الأثاث وأعمال النجارة المختلفة. إلا أنَّ ما يعيق إقامة مصنع له في سورية الافتقار للمواد الأولية الخشبية، إذ إنَّ غاباتنا هي غابات وقائية يجب حمايتها والحفاظ عليها وعدم استنزافها، وبالتالي يجب البحث عن مواد أولية رخيصة، وما هو متوافر حالياً بوفرة هو مخلَّفات محصول القطن، الذي يُعَدُّ ثاني أكبر مصدر للدخل القومي بعد الحبوب، فبعد إنتاج التيلة منتجاً رئيسياً، فإنَّ الجزء الخشبي من النبات (أحطاب القطن) تبقى على شكل مخلَّفات في الأرض بعد جني القطن، حيث يجري حرقها من قبل المزارعين، ما يسبِّب تلويثاً للبيئة، في حين أنَّها تُعَدُّ إحدى الثروات الوطنية التي يجب الحفاظ عليها والاستفادة منها، وأكثر ما يستفاد منها حالياً وقوداً أو علفاً غير تقليدي للماشية أو سماداً عضوياً، أو في طوب البناء، أو أليافاً لصناعة الحبال، بينما لم يتم الاستفادة منها لصناعة الخشب المضغوط متوسط الكثافة مع أنَّ ذلك ممكن من الناحية التقنية ومجدٍ اقتصادياً كما أثبت ذلك هذا البحث، إذ إنَّه يعطي خشباً ليفياً متوسط الكثافة بمواصفات فيزيائية وميكانيكية وكيميائية وصحية مطابقة للمواصفات الأوروبية، علماً أنَّ هذه الطريقة المقترحة لإنتاج الخشب الليفي من هذه المواد جديدة تماماً على مستوى العالم ولم يجر استخدامها في أي مكان آخر.
   كما أنَّ بذور القطن التي تخلِّفها عملية حلج القطن تستخدم لصناعة زيت القطن، وما ينتج عن هذه العملية (الكسبة) تستخدم لإطعام الماشية، أو تصدَّر إلى اليابان وألمانيا، حيث يستفاد منها في صناعة الورق والمنتجات السيللوزية الكيميائية المتنوعة، وفي الوقت نفسه يمكن استخدامها لتصنيع المنتج ذاته وبالمواصفات ذاتها كما برهن على ذلك البحث نفسه، ما يعني إمكان استثمار رأس المال الوطني وتشغيل اليد العاملة، عدا عن احتمال التوقُّف عن استيراده وبالتالي توفير القطع الأجنبي.
–   البحث الثاني بعنوان: “إمكانية تصنيع الخشب المضغوط من خشب شجرة لسان الطير ودراسة مواصفاته الفيزيائية والميكانيكية” للمهندسة ربا حسين أبو سعيد.
الخشب المضغوط عبارة عن ألواح خشبية تُصنع من نشارة الخشب ومزجها بالمواد اللاصقة مثل “اليوريا فورم ألدهيد”، ومن ثم ضغطها، وتختلف الألواح الخشبية المصنَّعة بهذه الطريقة حسب حجم القطع الخشبية المفرومة وشكلها وكمية المواد اللاصقة والكثافة التي تُضغط بها هذه الجزئيات.
ونظراً لتوافر خشب “لسان الطير” في الأحراج الجبلية السورية بكثرة، التي هي شجرةٌ تنمو طبيعياً بارتفاعٍ يزيد عن العشرين متراً، ويصل طول أوراقها إلى ستين سنتيمتراً، نموها سريع ما يعني سرعة تجديدها، مقاومة للجفاف والبرودة والتلوث الجوي، وبإمكانها أن تعيش في أتربة فقيرة جداً وكلسية وصخرية، وهي نباتٌ غازي لها قدرة كبيرة على التمدد في الأراضي لدرجة أنَّه يصعب التخلص منها بعد اكتمال نموها، إذ إنَّ جذورها تملك القدرة على أن تمر عبر شقوق الأرض والبيتون والأبنية، خشبها متوسط الكثافة وسهل التصنيع والصقل وقابل للثني ومرن، وكل هذه المزايا تزيد بعد تصنيعه من قيمته الاقتصادية، ويوسِّع مدى استعمالاته، إذ إنَّه يتميَّز بمواصفاتٍ فيزيائية وميكانيكية جيدة مطابقة للمواصفات الأوروبية، ويمكن استخدامها لصناعة الأثاث الخشبي أو تغطية الجدران لحمايتها أو شكلٍ من أشكال الديكور.
ومما لاشكَّ فيه هو أنَّ إقامة مصنع لإنتاج هذا النوع من الخشب من شجرة لسان الطير، ليضاف إلى مصنعين آخرين لتصنيع الخشب في سورية، أحدهما في غوطة دمشق والآخر في اللاذقية، ويعملان بطاقةٍ إنتاجية صغيرة، سيكون له أثر فاعل في الحدِّ من استيراده، واستثمار رأس المال المحلي، وبالتالي توفير القطع الأجنبي وتشغيل اليد العاملة المحلية.  
–   البحث الثالث بعنوان: “دراسة الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للاستخدامات المثلى لمخلَّفات الإنتاج والتصنيع الحيواني” للمهندسة رولا زيادة، المركز العربي لدراسة المناطق الجافة والأراضي القاحلة.
مما لاشكَّ فيه أنَّه من الضروري التعامل مع المخلَّفات الزراعية والتصنيع الزراعي على أنَّها ثروة قومية وموارد إنتاجية متجددة ذات عوائد إيجابية بيئياً واقتصادياً واجتماعياً، ولكنَّها حالياً لا تستثمر بشكلٍ كامل، والجزء المستثمر يستفاد منه بطرقٍ بدائية وبدون معالجة أو تحسين، لذا لا بدَّ من تدويرها وتحويلها إلى منتجاتٍ أخرى تساهم في حماية البيئة من التلوث وخلق فرص عمل من خلال إقامة مشروعات جديدة، ولاسيما أنَّ هذه المخلَّفات تزداد كميَّةً بسبب التوسُّع في الإنتاج الزراعي، وإهمالها دون تحسين الانتفاع بها اقتصادياً يمثِّل هدراً للموارد، عدا أنَّ تجمُّعها يفوق القدرة الاستيعابية للمنظومة البيئية على التخلُّص الآمن منها.
وتشمل المخلَّفات النباتية مخلَّفات حقول الحبوب والخضراوات والفواكه والشوندر السكري والزيتون والنخيل وغيرها، وهناك أيضاً مخلَّفات الإنتاج الحيواني والأسماك، وكلها أو أغلبها تذهب حرقاً، مع أنَّه من الممكن تقنياً تحويلها إلى علفٍ للماشية. أما المخلَّفات العضوية فيمكن إعادة استخدامها بطريقة اقتصادية وآمنة صحياً لتوليد طاقة حيوية متجدِّدة يمكن استخدامها في الطهي والإضاءة والتسخين والتبريد وتشغيل الآلات الزراعية، وقد سُبقنا في ذلك بمراحل منذ سنواتٍ بعيدة، في حين أنَّ ما يعيقنا تعظيم الاستفادة منها أمورٌ مؤسَّسية وتشريعية وإدارية وفنية واقتصادية واجتماعية والترتيبات الخاصة بالحفاظ على البيئة.
–   البحث الرابع بعنوان: “معالجة تفل العنب كمشروع متمم في الشركة العربية السورية لتصنيع العنب في السويداء (استحصال الكحول الإثيلي – الحصول على الدقيق العلفي – استحصال زيت العنب) للمهندس عاصم غبرة.
تخلِّفُ الشركة العربية السورية لتصنيع العنب في السويداء كميات كبيرة من تفل العنب الناتج من تصنيع العنب، الذي يمكن بدوره أن يعطي كحولاً، وبذوراً بالإمكان أن تعطي زيت العنب، الذي يستخدم غذاءً، إذ إنَّ طعمه لذيذ ومميز كزيتٍ نباتي مع خلوه من أي طعمٍ غريب، وفي صناعة العطور والدهانات والأدوية، في حين يتم الحصول على الدقيق العلفي من طحن المخلَّفات المتبقِّية بعد تجفيفها، ويُعَدُّ محسِّناً جيداً للأعلاف. كما أنَّه بالإمكان الاستفادة من العرمش بتحويله إلى سماد.
ولتحقيق ذلك قام الباحث بتصميم جهازٍ خاص للقيام بهذه العمليات يمكن إقامته في أرض الشركة نفسها لتوافر المساحة والطاقة والخزانات والمياه، ويتكوَّن من حوضٍ للتجميع ومكبس ومبادل حراري، ومجفف ومطحنة، ووحدة لاستخلاص الزيت وخزان للزيت الناتج.
–   البحث الخامس بعنوان: “ابتكار جهاز لتحويل الفضلات العضوية إلى سماد لمنطقة سوق الهال بحلب” للمهندس جمال مصري، كلية الهندسة التقنية، قسم تقانات الهندسة البيئية بجامعة حلب.
ما زال يُعتمد في سورية -حتى الآن- على طريقة التخمُّر لمعالجة الفضلات العضوية (مثل روث الحيوانات والطيور وحمأة الصرف الصحي) بغية تحويلها إلى أسمدة، حيث تُراكم الفضلات بشكل كومات، وتُترك لمدة شهرين لإنجاز عملية التحويل، وقد يتم اللجوء إلى التهوية القسرية بإدخال الهواء إلى الفضلات للإسراع بعملية التخمُّر بحيث تصبح بحدود ستة عشر يوماً على الأكثر مع زيادة التكلفة. ولكنَّ هذه الطريقة غير مجزية اقتصادياً بسخاء بسبب الوقت الطويل اللازم لإنجاز عملية التحوُّل وما يتبع ذلك من زيادة المساحة الأرضية اللازمة للمعالجة.
ومن هنا فقد صمَّم الباحث جهازاً لمعالجة الفضلات وتحويلها إلى سماد بوقتٍ قياسي، وهذا مما يساعد على الاستغناء عن الأسمدة الكيميائية – المكلفة اقتصادياً – بالأسمدة العضوية، وبالتالي رفع المستوى الاقتصادي والبيئي. الجهاز بسيط التركيب، فهو يتكوَّن من محرك وعلبة سرعة، وأسطوانة لتخمير الفضلات وفتحة تهوية وأذرع تحريك، ودعاماتٍ بيتونية وشبكة تهوية وخزان لجمع وتدوير المياه ومضخة حلزونية، ويعمل بطريقة إدخال الفضلات وضخ الهواء الساخن، ثم سحب المياه إلى خزان المعالجة البيولوجية، وضخ الهواء الطبيعي لإتمام عملية النضج.
–   البحث السادس بعنوان: “إمكانية استخدام نشارة خشب القطن كتقانة جديدة في معالجة مياه معاصر الزيتون (ماء الجفت) وإعادة استخدامها في صناعة الخشب المضغوط كمنتج صديق للبيئة” لطالبة الدكتوراة في كلية الزراعة بجامعة دمشق المهندسة علا محمد.
يشكَّل ماء الجفت الذي هو محاليل مائية تنتج في معاصر الزيتون من عملية عصر الزيتون لاستخراج زيت الزيتون، خطراً كبيراً ملوِّثاً للبيئة والمياه الجوفية، لأنَّها تصرف بدون معالجة أو تنقية في الأنهار التي غالباً ما تنتهي في البحر، ما يؤثِّر سلباً في حياة الكائنات البحرية فيه، كما أنَّها تصرف في الأراضي مسبِّبةً أضراراً مختلفة على المياه الجوفية والسطحية والتربة والنبات. وحتى الآن لم تحرز محاولات تنقية ماء الجفت تقدُّماً يذكر، الأمر الذي دفع أصحاب المعاصر للتخلص منها بشكلٍ عشوائي على النحو المذكور.
غير أنَّ الباحثة تحاول استخدام نشارة خشب القطن المتوافرة بكثرة، إذ إنَّها من مخلَّفات زراعة القطن بعد جنيه، لمعالجة ماء الجفت، وهي طريقة لم تُستخدم سابقاً، ثم استعمال النشارة التي تحتوي على نسبةٍ من الزيت لتصنيع الخشب المضغوط باستخدام المادة اللاصقة “يوريا فورم ألدهيد”، بدلاً من حرقها، ما يخفِّف بالتالي من كمية انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون المسبِّبة لارتفاع حرارة الأرض.
إلا أنَّ إمكان صناعة الخشب المضغوط من أحطاب القطن يصطدم بصفتي قدرته على امتصاص الماء والانتباج (الانتفاخ)، وهذا ما يتطلَّب المزيد من البحث لتغيير هاتين الصفتين.
تعتمد معالجة ماء الجفت بنشارة خشب القطن على تحويل مخلَّفات زراعة القطن على نشارة وتجفيفها بالشمس، ثم وضعها بأحواضٍ خاصة، ويتم تمرير ماء الجفت من خلالها حيث يُصفَّى، ومن ثم يصبح صالحاً إلى حدٍّ كبير للاستخدام في مجالاتٍ عدَّة.
–   البحث السابع بعنوان:”إمكانية تصنيع المادة اللاصقة (التانين فورم ألدهيد) كمنتج صديق للبيئة من مستخلص قشور الرمان واستخدامها في صناعة الخشب المضغوط من مخلَّفات تقليم الكرمة” لطالب الدكتوراة في كلية الزراعة بجامعة دمشق المهندس أحمد توفيق نعمان.
من المعروف أنَّ المادة اللاصقة “فورم ألدهيد” الكيميائية لها تأثيراتٍ سلبية في حال انطلقت إلى هواء المصنع تحت تأثير عمليات التجفيف والكبس، وهذا مما يعرِّض العمال إلى أضرارها المتمثِّلة في التهاب الأغشية المخاطية والتهاب العيون والإصابة بالسرطانات، بالإضافة إلى أضرارها في الجهاز العصبي المركزي. ويكمن الخطر على الصعيد المنزلي في انَّه لدى ارتفاع الحرارة داخل المنزل، ولاسيما في فصل الشتاء حيث تقل التهوية، تنطلق مادة “فورم ألدهيد” من الأثاث المصنوع من الخشب المضغوط والخشب الليفي متوسط الكثافة أو من خشب اللاتيه إلى هواء التنفس، وعندما تزداد نسبة هذه الإصدارات يصاب سكان المنزل بالتهابٍ في العيون وبأمراضٍ سرطانية، بالإضافة إلى تهتكٍ في الجهاز العصبي المركزي، الأمر الذي دفع الباحثين نحو ابتكار مواد قابضة للفورم أو مواد لاصقة اصطناعية تخلو من الفورم ومواد لاصقة طبيعية.
   ومن المتعارف عليه هو أنَّ طريقة استخلاص المادة اللاصقة من قشور الرمان لا تزال غير معروفة بالنسبة لنا، ومن المعروف أنَّ الشركات الغذائية التي تنتج دبس الرمان تُخلُّفُ أطناناً من قشوره، التي غالباً ما يتم التخلص منها بإحراقها، الأمر الذي ينجم عنه آثارٌ ضارة على المستوى البيئي والصحي والاقتصادي، أو بنقلها ووضعها على حواف الحقول والمجاري المائية، هذا إذا لم تقذف فيها، الأمر الذي يساعد على انتشار الأمراض الفطرية والبكتيرية والحشرات والقوارض، وسهولة انتشار الحرائق، وبالتالي ازدياد انبعاثات غاز أوكسيد الكربون التي تساعد على زيادة حرارة الأرض. ومن هنا تأتي أهمية إقامة مصنع لإنتاج المادة اللاصقة “التانين فورم ألدهيد” من قشور الرمان، وذلك بعد التوصل إلى أفضل السبل لاستخراجها، وقد سبقنا الآخرون في ذلك، ثم إنتاج مصنع حديث للخشب المضغوط، وهذا ما يحقِّق الاستغناء أو التقليل من استيراد هذا الخشب من الخارج، بالإضافة إلى تنمية الاقتصاد المحلي وتشغيل اليد العاملة.
–   البحث الثامن بعنوان: “إنتاج السماد العضوي (الكومبوست) بتخمير بعض المخلَّفات الزراعية المختلفة” للمهندس الزراعي يائل معين دالي.
أدى زيادة الاعتماد على الأسمدة الكيميائية بغية رفع الإنتاجية الزراعية إلى تلوث بيئي كبير، فتعالت الأصوات المطالبة بالعودة إلى استخدام المواد الصديقة للبيئة في النظم الزراعية الحديثة لإنتاج نباتات خالية من الملوِّثات الكيميائية، ومنها مخلَّفات تقليم الأشجار والمحاصيل الحقلية وروث الحيوانات والمخلَّفات العضوية التي تذهب حرقاً أو توضع على حواف الأراضي الزراعية، مما يساعد على انتشار الأمراض والحشرات والقوارض وسهولة اشتعال الحرائق، في حين إنَّ الدراسات قد أثبتت قدرتها – بعد معالجتها – على زيادة المادة العضوية في التربة، وإعادة تأهيل الترب المتدهورة وتحسين بنيتها ومساميّتها وقدرتها على الاحتفاظ بالماء وتزويد النبات بالعناصر المغذية. ومن هنا تبرز الحاجة الماسة لمعالجتها وتحويلها إلى منتجات صديقة للبيئة مثل “الكومبوست” (خليط من مواد عضوية متحلِّلة يستخدم لتسميد التربة) الذي يساعد على زيادة إنتاج المحاصيل كماً ونوعاً، وذلك بواسطة استخدام وسائل وتقانات ملائمة كالتخمُّر الهوائي واللاهوائي.
والتخمُّر هو أحد الطرائق التي تستعملها الطبيعة في تنظيف نفسها بنفسها، وذلك بتحليل المخلَّفات وتفكيكها لإعادتها إلى دورتها الطبيعية، أو عملية تحوُّل المادة العضوية تحت تأثير نشاط الكائنات الحيَّة إلى مواد دبالية صحيَّة تعرف بـ: (الكومبوست)، وبالإمكان الإسراع بهذه العملية بفرمها وإضافة مواد منشِّطة لعملية التحلُّل والتخمُّر كالصخر الفوسفاتي أو الأحياء الدقيقة أو الدم المجفَّف أو رجيع الحيوانات، أو تكون مواد اصطناعية كالأسمدة الكيميائية.
–   البحث التاسع بعنوان: “الاستفادة من المخلَّفات الزراعية بتصنيع الكمبوست واستخدام جزء من الطاقة الناتجة عن التخمر في زيادة كفاءة نظام الطاقة الشمسية السالب في تدفئة البيوت البلاستيكية” للدكتور طوني طلب، الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية بدمشق.
تشكِّل المخلَّفات الزراعية عبئاً في بعض المناطق السورية، فهي بؤرة للآفات والقوارض ونشر الحرائق، لذلك يجب إدارتها بكفاءة والاستفادة منها في إطار استراتيجية طويلة الأمد، وذلك بتحويلها إلى مواد ذات قيمة اقتصادية واستخدامها في تنمية القطاع الزراعي، كإنتاج الكمبوست وتجميع الطاقة الناتجة من عملية التخمُّر.
ونظراً لأنَّ المزارعين يعمدون إلى تغطية النباتات في البيوت البلاستيكية بالسماد العضوي الذي يمنحها الدفء ليلاً، أو طمرها بطبقةٍ من أغصان الأشجار الصغيرة وأعشاب برية لمنع تجمدها، أو إشعال النار حولها لمنع وصول الصقيع إليها، وهذا هو العامل الأكبر بالكلفة المضافة، لذا لجؤوا لاستخدام الطاقة الشمسية للتدفئة، ولرفع كفاءة هذا النظام فقد اقترح الباحث تجميع الحرارة الناتجة عن عملية التخمير للمخلَّفات الزراعية بغرض إنتاج الكمبوست بأنابيب خاصَّة وذات مواصفات محدَّدة، واستخدامها لرفع كفاءة نظام الطاقة الشمسية في البيوت البلاستيكية عند انخفاض ناتجه، وبالتالي زيادة حرارة الهواء والتربة في داخل البيوت البلاستيكية، ما يؤدِّي إلى تحسين نمو وإنتاج محاصيل الزراعات المحمية.
–   البحث العاشر بعنوان: “التقانات المستخدمة في تحسين القيمة الغذائية للمخلَّفات الزراعية في سورية وآفاق استخدامها في تغذية المجترَّات” للمهندس أيمن كركوتلي، المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (أكساد).
لقد أدَى تزايد أعداد الثروة الحيوانية في سورية إلى تزايد احتياجاتها الغذائية العلفية، كما أدَّت موجات الجفاف في السنوات الأخيرة إلى تناقص كميات الأعلاف الكافية لإطعامها، ولسدِّ هذه الفجوة بين الحاجة والمتاح، فقد نفَّذ المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (أكساد) في السنوات الأخيرة، وبالتعاون مع مراكز البحوث العلمية السورية، عدة تقانات وتجارب في مزارع تربية الماشية، وقام بتطوير آلاتٍ لتحسين القيمة الغذائية للمخلَّفات الزراعية، لتصبح أعلافاً متكاملة ومجدية اقتصادياً، وبالتالي استخدامها في تغذية الماشية، مثل معالجة الأتبان باليوريا أو بالأمونيا، سيلجة المخلَّفات الزراعية، والسيلجة هي إحدى طرائق التخمُّر اللاهوائي بهدف الحفاظ على الموارد الزراعية لفترةٍ زمنية أطول مع الحفاظ على قيمتها الغذائية. وشملت المخلَّفات الزراعية التي جرى تحسين قيمتها الغذائية: تبن القمح والشعير، أحطاب القطن، مخلَّفات الشوندر السكري، المولاس الذي هو منتج ثانوي لصناعة السكر، مخلَّفات البقوليات، مخلَّفات الخضار والفواكه وتقليم أشجار الزيتون، وما تزال هذه التجارب مستمرة.
–   البحث الحادي عشر بعنوان: “تطبيقات جراثيم الشعاعيات في التفكيك الحيوي للمخلَّفات الليغنوسليلوزية وإنتاج البيوإيتانول” لطالبة الدكتوراة في قسم علم الحياة النباتية في كلية العلوم بجامعة دمشق هنادي عايد.
تُعَدُّ سورية من البلدان الزراعية، لذا فإنَّ إنتاجها الزراعي يخلِّف كميات هائلة من البقايا الزراعية التي تلوِّث البيئة وتعيق القيام بالأعمال الزراعية، عدا عن كلفة التخلُّص الآمن منها، بالإضافة إلى أنَّها تساهم في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري عند إحراقها بقصد التخلُّص منها، لذا فمن الضروري التخلُّص من هذه المشكلة التي تواجه التنمية الزراعية.
ولمَّا كانت المخلَّفات الزراعية في سورية تضم تشكيلة واسعة من المواد (الليغنوسليلوزية) المتوافرة في مخلَّفات الغابات كالأغصان الصغيرة، ومخلَّفات التصنيع الزراعي مثل تفل الشوندر، التي تختلف اختلافاً كبيراً من حيث تركيبها الكيميائي وقيمتها الغذائية وقابليتها للحفظ والتخزين، بالإضافة إلى اختلاف أماكن انتشارها وأوقات توافرها، وغالباً ما يرتبط ذلك بمواسم الإنتاج الزراعي، فقد اقترحت الباحثة طرائق حيوية حديثة للحصول على الوقود الحيوي من تلك المواد (الليغنوسليلوزية)، وفي مقدمة أصنافه (البيوإيتانول) الذي ينتج من تخمُّر (الليغنوسليلوزية)، وقامت بتطوير هذه التقانات وتوصَّلت إلى نتائج مرضية تمثَّلت بإنتاج وقود (البيوإيتانول) الحيوي السائل، الذي يُعَدُّ بديلاً مناسباً ومستديماً عن البنزين.
–   البحث الثاني عشر بعنوان:”مخلفات أهم المحاصيل ومزارع تربية الحيوان وتقدير قيمتها الاقتصادية وإمكانات تحسينها للحد من آثارها البيئية” للدكتور عبد الله أبو زخم، كلية الزراعة بجامعة دمشق.
السماد العضوي أو السماد البلدي هو غير السماد الكيميائي، إذ إنَّه مخلَّفات الكائنات الحية النباتية والحيوانية التي تُخلط مع بعضها وتُخمَّر، ثم تضاف إلى التربة لإغنائها بالعناصر المغذية التي يحتاجها النبات، كالآزوت والفوسفور والبوتاس، وعناصر نادرة يحتاجها النبات بكياتٍ ضئيلة ولكنَّها ضرورية لنموه، بالإضافة إلى تأمين المادة العضوية المتحلِّلة (الدبال) الذي يشكِّل أحد المكوِّنات الأساسية في التربة الزراعية ويساهم في تحسين بنية التربة ونظامها المائي والهوائي، كما أنَّ انطلاق كميات كبيرة من غاز ثاني أوكسيد الكربون نتيجة التحلُّل المستمر للسماد هو مما يساعد على إتمام عملية التمثيل الضوئي وبناء المادة العضوية في النباتات الخضراء، وهناك إمكان الاستفادة من هذه المواد لتوليد الطاقة الحيوية البيولوجية، مما يحدُّ من استخدام النفط ومشتقَّاته.
ويخلص الباحث بعد إجرائه عشرات التجارب والتحاليل المختلفة إلى نتيجةٍ مفادها أنَّ المخلَّفات النباتية والحيوانية تشكِّل مصدراً مهماً للعناصر المغذِّية للنبات، وبالإمكان تطوير طرائق إنتاجه لرفع كفاءته وزيادة فاعليته باتباع أسسٍ أكثر فاعليةً في جمع ومعالجة وتسويق هذه المخلَّفات للحدِّ من آثارها السلبية على البيئة.
   في الختام، أؤكِّد أنَّ المخلَّفات الزراعية والغذائية التي يُنظر إليها على أنَّها فضلات لا قيمة لها، ويتم التخلص منها بشكلٍ عشوائي، تتطلَّب دوماً البحث الدؤوب عن طرائق أفضل للاستفادة منها، وإنَّ تحسين قيمتها الغذائية يُعَدُّ إحدى الوسائل الممكنة والمهمة لمواجهة احتياجات الإنسان والحيوان، وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم: “وإن تعُدُّوا نعمة الله لا تُحصوها” (النحل، 18).
إعداد: نبيل تللو

Similar Posts