تصنيع مصر بقيادة السيسى

لا جديد فى قولى إنه لا بديل ولا مثيل للتصنيع؛ بتسريع تنمية وتحديث وتعميق الصناعة التحويلية، حتى تتمكن مصر من تعزيز استدامة مؤشرات الاستقرار الكلى، الذى استهدفه تنفيذ برنامج الإصلاح النقدى والمالى. وبغير التصنيع، لن تتمكن مصر من مواجهة المشكلة الاقتصادية، التى يتلخص جوهرها فى الفجوة المتعاظمة بين الموارد المتاحة لمصر والحاجات المتنامية للمصريين. ولن تخلق فرص العمل المستقرة وعالية الإنتاجية والدخل.
وأسجل، أولا، إدراكى أن التصنيع ينبغى أن يشمل كل فروع الصناعات راقية ومتوسطة ومنخفضة التكنولوجيا، والمشروعات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة الحجم، وقطاعى الأعمال الخاص والعام، وأن التصنيع لا تتحقق ثماره المرجوة بغير تنمية الزراعة، ولا تتوفر روافعه بغير تطوير قطاعات الطاقة والنقل والاتصالات والمعلومات، بجانب تطوير التعليم والبحث العلمى والبحث والتطوير، ولن تنتشر ثماره بدون تعميق تبادل المدخلات والمخرجات بين مختلف قطاعات الاقتصاد القومى، ولن يتسارع ويعزز الأمن القومى بدون التكامل بين الإنتاج المدنى والإنتاج العسكرى.. إلخ. وفى هذا السياق، يأتى تقديرى لإعلان الرئيس عبد الفتاح السيسى استهداف بناء قاعدة صناعية حديثة، طالما أن التصنيع لم يتحقق فى أى زمان ومكان بغير إرادة سياسية. وأواصل هنا إيجاز برنامج تطوير صناعة الغزل والنسيج كما بينته تحقيقات مهمة أجرتها جريدة الأهرام مع كل المسئولين عن هذه الصناعة بين عامى 2017 و2019.
 
وثانيا، أن تاريخنا الحديث يكشف ريادة صناعة الغزل والنسيج المصرية، التى أبهرت العالم قبل تبنى سياسات الانفتاح الاقتصادى المنفلت، التى وأدت فرص التصنيع، وأهملت الاستثمار الزراعى، فتراجع انتاج وتصنيع وتسويق وتصدير القطن. ومن الأخبار الملهمة أن عملية تحديث وتعميق صناعة الغزل والنسيج تتم بتوجيه وإشراف القيادة السياسية، وبالتعاون مع شريكين رئيسيين: الأول هو شركة وارنر العالمية للاستشارات التى تضع صياغة فنية للقطاع وفقا لآليات السوق العالمية، والثانى هو القطاع الخاص المصرى والأجنبى، بما يحقق وصول مصر إلى مكانتها المستحقة على خريطة صناعة المنسوجات العالمية. ويشمل التطوير شركة غزل ونسج المحلة الكبرى- القلعة التاريخية والكبرى لهذه الصناعة، وترتبط استراتيجية تحديث المصانع بأدوار عشرين وزارة مشاركة فى التحديث الذى يشمل جميع مراحل الإنتاج؛ بدءاً من زراعة القطن وحتى خروج الإنتاج تام الصنع للأسواق المحلية والعالمية. وخصصت خطة التحديث 6 أشهر لمعاينة المبانى لتأكيد صلاحيتها أو هدمها أو ترميمها أو بناء عنابر جديدة، و6 أشهر لشراء الماكينات، ثم 6 أشهر لتركيب الماكينات.
 
وثالثا، أن خطة تطوير شركات الغزل والنسيج والقطن التابعة للشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج والملابس ترتكز الى 11 دراسة جدوى لتحديث كامل الصناعة. وقد تمت معاينة 15 مجمعاً من مصانع الشركة القابضة، لتقدير حالتها من منظور إمكانات واحتياجات التطور التكنولوجى، وتبين أن عددا كبيرا من المصانع مبنية من الأربعينيات، ولا تصلح للاستمرار، وأن مصانع غزل المحلة يمكن إعادة تأهيلها بحيث تكون مجهزة باحدث تكنولوجيا مع تقليل قيمة التكلفة. وبجانب شركة المحلة الكبرى تتضمن الخطة تحديثا كاملا لشركات الغزل والنسيج الكبرى فى كفر الدوار وحلوان، وتتسع لتشمل تطوير 23 شركة، ويعتمد تحديث خطوط الانتاج على التمويل الذاتي؛ باستخدام عائدات بيع أراض غير مستغلة تابعة للشركات يقع أغلبها داخل كردون المبانى، وتقدر قيمتها بنحو 29 مليار جنيه، بجانب نقل مصانع لمناطق أخرى وبيع أراضيها، ودمج كيانات صغيرة فى أخرى كبيرة لقطاع الأعمال العام. ويشمل التطوير احلال ماكينات جديدة أحدث، وتغيير 600 ألف مردم وهو رقم غير مسبوق فى أى دولة، ويستهدف تقليل تصدير القطن الخام لتعظيم القيمة المضافة للصادرات والقدرة على منافسة المستورد، ويتوقع أن تكتمل عملية التطوير خلال 3 سنوات إلى 3 سنوات ونصف.
 
ورابعا، أن الاستراتيجية تستهدف تطویر 21 مبنى بجميع شركات الغزل والنسيج وتخصيص استثمارات للإنشاءات لإحلال بعض المنشآت القائمة وتجديدها بما يواكب خطط التطوير واحتياجاتها، واستثمارات لتطوير الماكینات المستخدمة لمواكبة التطور التكنولوجى العالمى. وتستهدف الخطة مضاعفة الطاقة الإنتاجية الحالية 4 مرات، بتكلفة استثمارية تبلغ نحو 25 مليار جنيه، وتحويل خسائر شركات الغزل والنسيج الى أرباح بعد إتمام خطة التطوير. وتتضمن الخطة الاتفاق مع الشركات الموردة للماكينات الجديدة على تدريب العاملين، مع فتح المعاش المبكر للراغبين وتعيين عمالة شابة مدربة. وقد تم طرح مناقصة دولية وتمت إجراءات ترسيتها على إحدى كبريات الشركات الهندية والتى قامت بإنشاء وتطوير 60 ألف محلج فى العالم، وبدأ التحديث بتركيب أول محلج مطور فى الفيوم، مع دمج وتحديث محالج الشركة القابضة فى 11 محلجا موزعة على مناطق زراعة القطن. وهنا تبرز أهمية مضاعفة الاستثمار فى الزراعة لتوفير احتياجات الصناعة المصرية من القطن قصير التيلة، وإن توجب تعظيم انتاج وتصنيع القطن المصرى طويل التيلة، الذى يستخدم فى انتاج أرقى وأغلى الماركات العالمية.
 
وخامسا، أن برنامج التطوير يولى أهمية بالغة لتنمية وتطوير قطاع الملابس الجاهزة، حيث تتمتع مصر بميزات تنافسية عالية وفق معايير الجودة الدولية. وهناك وفرة فى الأراضى الصناعية المتاحة لاستقبال الاستثمارات فى هذه الصناعة الواعدة أهمها مدينة السادات، ومنطقة شمال غرب خليج السويس، وبورسعيد. وفى أعقاب المشاركة فى قمة منتدى الحزام والطريق، أعلن بيان لوزارة التجارة والصناعة أن شركة مان كاى الصينية المسئولة عن إنشاء المنطقة الصناعية الجديدة للغزل والنسيج بالسادات قامت بتسويق عدد كبير من المصانع، ومن المتوقع أن يتم شحن الماكينات الخاصة بحوالى 140 مصنعًا قبل نهاية العام الجارى. منها مصانع تضم أحدث ماكينات صناعة الغزول والمنسوجات والصباغة والملابس الجاهزة مع دعم البحوث وتطوير الإنتاج، وبالإضافة للبيع فى السوق المحلية سيتم تصدير المنتجات للأسواق الأوروبية والأمريكية والعربية والإفريقية للاستفادة من اتفاقيات التجارة والإعفاءات الجمركية للمنتجات المصرية مع هذه الدول.
 
وتبقى تحديات تطوير قطاع الأعمال الخاص فى صناعة الغزل والنسيج موضوعا للمقال القادم بإذن الله

Similar Posts