“خبث التنين” يرعب الذكاء الاصطناعي للجيش الأميركي

يمثل تطوير أسلحة بتقنيات الذكاء الاصطناعي مضماراً جديداً تتسابق فيه القوى العسكرية المؤثرة في العالم، لتصبح الغلبة في معارك المستقبل لمن ينجح أكثر في تطبيق هذه التكنولوجيا في ساحات القتال.

 

تخطط الصين لزيادة ميزانيتها الدفاعية بنسبة 8.1 في المئة لعام 2018، حيث ستنفق بكين 175 مليار دولار على جيشها، وفق تقرير عن الميزانية، تم تقديمه خلال الجلسة الافتتاحية للاجتماع السنوي للمجلس الوطني لنواب الشعب “البرلمان”، بحسب وكالة “أنباء شينخوا”.تنامي الاستثمارات الصينية في القوات المسلحة، تعتبره الولايات المتحدة الأميركية تهديداً حقيقياً لها، حيث وصف مسؤولون في “البنتاغون” قبل أربع سنوات ذلك بـ”الإنذار الملموس”، مع التأكيد على ضرورة العمل حماية شواطئ الولايات المتحدة من أي تهديدات صينية محتملة، والعمل على تعزيز قوة الجيش الأميركي، وذلك من خلال ابتكار وتطوير تقنيات من شأنها ترجيح كفة أميركا ضد منافستها الصين.ومن بين التقنيات التي حظيت باهتمام مسؤولي “البنتاغون” مشروع ذكاء اصطناعي، بمقدوره تفحص الفيديو الملتقط من طائرة “درون”، والكشف عن تفاصيل قد يهملها العنصر البشري، كتحديد أفراد يتنقلون بين مقار لجماعات إرهابية في منطقة ما مثلاً.كذلك يأمل المسؤولون عن التسليح في الولايات المتحدة أن تتم الاستفادة من تطوّر أنظمة الكمبيوتر الذكية، وتسخيرها للاستجابة بشكل آلي مع ظروف المعركة، واتخاذ قرارات معينة ضمن القواعد التي يضعها المبرمجون لها.
بين “العم سام”  و”التنين” 
وتصطدم المساعي الحثيثة للقوات الأميركية في ميدان أسلحة الذكاء الاصطناعي بالآمال العريضة للصين، والتي تتبنى خطةً طموحةً بأن تصبح القوة العالمية المهيمنة في مضمار الذكاء الاصطناعي بمختلف جوانيه، وذلك بحلول عام 2030.وفي سبيل تحقيق أجندتها، يحاول جيش التحرير الشعبي الصيني، استنساخ التجربة الأميركية في مجال التسليح بأنظمة الذكاء الاصطناعي، حيث نقلت “وول ستريت جورنال” عن تايم مينغ شونغ، الخبير بالشؤون العسكرية الصينية في جامعة “كاليفورنيا” الأميركية قوله: “لقد قام جيش التحرير الشعبي الصيني قبل عامين بتحسين وإعادة تنظيم فرع العلوم والتكنولوجيا، لإنتاج تجربة على غرار وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية (داربا) الأميركية ولكن بمواصفات ومقاييس صينية. كذلك تعمل بكين على بناء مختبرات متطوّرة، وبفضل تأثيرها الصناعي الكبير، فهي قادرة على تحقيق اندماج أكبر بين المؤسسة العسكرية واستثمارات الذكاء الاصطناعي”.   ويؤكد كريس تيلور، الرئيس التنفيذي لدى شركة Govini، المتخصّصة في تحليل البيانات ودراسات الاستثمارات الحكومية في الذكاء الاصطناعي، على كلام تايم مينغ شونغ، ويقول: “أجاد الصينيون تبني الاستراتيجية الأميركية، وهاهم يستخدمونها ضدنا الآن”. وبدأت الإنجازات الصينية في مجال الذكاء الاصطناعي تبصر النور، حيث كشفت وسائل إعلام صينية في يناير الماضي، عن تطوير باحثين بالتعاون مع الجامعة الوطنية لتكنولوجيا الدفاع والمركز الوطني للكمبيوترات الخارقة في تيانجين، لكمبيوتر خارق يتوقع الانتهاء من العمل عليه سنة 2020، وهو أسرع بعشر مرات من أقوى الكمبيوترات الموجودة في العالم.ويمتد التطوّر الصيني أيضاً ليشمل علم المعلومات الكمية، والذي بات محط أنظار جيوش العالم، للمزايا العسكرية التي يمكن الاستفادة منها بتطبيقات الذكاء الاصطناعي، كافتراض استغلال قدرة الجزئيات دون الذرية كالفوتونات على الانتقال لدول متعددة بذات الوقت، وعكس بعضها البعض عبر مسافات شاسعة.وعسكرياً تبدو الفرص مواتيةً للاستفادة من هذا العلم وتطبيقاته في ضمان توفير اتصالات آمنة، والحصول على شحنات فائقة القوة. وفي هذا السياق، بدأ العمل في مدينة “هيفي” الصينية العام الماضي على مشروع بقيمة مليار دولار لتشييد مختبر وطني للمعلومات الكمية، بإشراف عالم الفيزياء بان جيانوي، والذي يقود فريقاً أطلق أول قمر اصطناعي للاتصالات الكمية، والذي يتيح إرسال شيفرات لا يمكن اختراقها.
“معضلة” أميركية
وخلافاً للاستراتيجية الصينية، يسعى الجيش الأميركي لتأسيس تعاون مع القطاع الخاص، للاستفادة من أعمال التطوير لتقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو توجه يصطدم برفض عدد من الشركات الرائدة في هذه الصناعة، الدخول في شراكات مع المؤسسة العسكرية.وإدراكاً منها لحجم المشكلة، أسس البنتاغون سنة 2015 مكتباً للتواصل مع مؤسسات قطاع التكنولوجيا، ومنح عقوداً لشركات ناشئة متخصّصة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، كما يعمل سلاح الجو على تعزيز علاقاته بالشركات التقنية والجامعات ومراكز الأبحاث، إذ يتعاون مع باحثين في شركة IBM لإنتاج شرائح ذكية بتقنية “الحوسبة العصبية”، بمقدورها معالجة المعلومات بسرعة فائقة.وعلى أرض الواقع، يستعمل سلاح الجو الأميركي في طائرته المقاتلة F-35 تقنية الذكاء الاصطناعي، لتقييم ومشاركة بيانات الرادار وأجهزة الرصد الأخرى، بين الطيارين، لمساعدتهم في معرفة ظروف المعركة على نحو أفضل.وطبقاً لتقرير “وول ستريت جورنال”، يعمل الجيش الأميركي على أنظمة تكتيكية لتقنية الواقع المعزز في ساحات المعارك، لعرض الفيديوهات المستقبلة من طائرات الـ”درون”، وتحسين الرؤية الليلية، وتأمين بيانات عن التهديدات المحتملة، والأهداف والمناطق التي يجب اقتحامها أو حمايتها.وإلى جانب الصين والولايات المتحدة، تعد روسيا منافساً قوياً، حيث تركز موسكو على تصنيع أسلحة مدعمة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتخطط بأن تصبح نسبة 30 في المئة من جيشها وقوتها العسكرية خلال العقد القادم، تعمل آلياً.وتثير هذه الاستراتيجية الروسية تخوّف الغرب، وهو ما جعل مسؤولين عسكريين بارزين يحثون حلف شمال الأطلسي على زيادة الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي، وإنشاء مركز يدرس احتمالات اندلاع حروب مبنية على التقنيات الذكية، ووكالة لمشاريع البحوث المتطورة الدفاعية.ورغم اتفاق جميع القوى العسكرية المؤثرة في العالم على دور الذكاء الاصطناعي في المعارك المستقبلية، لا تزال هناك العديد من إشارات الاستفهام المرتبطة بتلك التقنيات، كالدور البشري ومدة تدخله في عملها، وذلك لكونهم يتمتعون بقدرات تحليل تواكب المتغيرات والمخاطر، لاتخاذ القرارات الصحيحة والتي تعد العنصر الحاسم للفوز بأي معركة.

Similar Posts