دواعي عمل المرأة خارج البيت عموماً وفي ماليزيا

تتزايد من سنة لأخرى نسبة النساء العاملات خارج البيت، إذ استعضن بالعمل الخارجي العمل الفطري للمرأة داخل بيتها، هذه الوظيفة التي عرفت قديما وما زالت المرأة مُطالبة بأدائها على اعتبار أنها الوظيفة الطبيعية الفطرية التي جبلت عليها، وعلى اعتبار أيضاً أنها وظيفتها الأساسية، في حين “أن عملها خارج البيت هو استثناء من الأصل الذي يقضي بمقامها في بيتها للتصدي للرسالة المقدسة، والوظيفة الخطيرة التي كلفت بحملها”[iii].
غير أن تداعيات التطور الحادث في المجتمع كان له الأثر البارز في خروج المرأة للعمل، فبعد أن كان هذا الخروج مقترناً بالضرورة والحاجة الداعية إليه عند فقد المعيل ورب الأسرة، أصبح في الوقت الحاضر هو نفسه الضرورة، خاصة بعد أخذ المرأة كفايتها وحظها من التعليم، والتعليم العالي بالخصوص، وبعد أن أصبح التعليم إلزامياً، “فحصول النساء على مؤهل علمي قد أدى إلى تحسين فرص التوظيف لهن”[iv]، وهذا هو السبب الأول الداعي لعمل المرأة.
أما السبب الثاني فهو غلاء المعيشة الذي استلزم عمل الزوجين معاً لأجل تدبير أمور الحياة المعيشية لهما ولأبنائهما، ولعائلتيهما (والديهما) من ذوي الدخل المنخفض، وهذا العمل بدوره يساعد المرأة على الاشتراك والانخراط في الجمعيات التعاونية بمقدار مالي محدد لكل شهر، وهو الأمر الذي يساعدها في التوفير بطريق غير مباشر لصرفه في الوقت المناسب، وفي هذا المجال أصبح العمل ضرورة ملحة يقتضيها هذا الزمن.
وقد أقام قسم استقصاء السكان والأسرة بماليزيا بحثاً عن كيفية إيجاد فرص العمل ومجالاتها، ومن أهم النتائج التي توصل إليها هذا البحث أن أكثر النساء الماليزيات يدخلن سوق العمل سواء قبل أو بعد الزواج بناء على دواعي مادية، وهذا يتضح حينما نعلم أن أكثر النساء غير المتزوجات يعملن أساساً لمساعدة أُسرهن خاصة عند فقد العائل أو عجزه، أما المتزوجات فأكثرهن يعملن ليحصلن على زيادة في دخل الأسرة[v].
وأما السبب الثالث فيتمثل في دور المؤسسات السياسية والاقتصادية التي كفلت فرص العمل، والدعوة إلى خروج المرأة للعمل بغرض ترقية مستواها ومساهمتها في التنمية الاقتصادية لبلدها. فبالنسبة للنموذج الماليزي هنا، وحسب التعداد السكاني لعام 2000م فإن الكثافة السكانية كانت قرابة 23 مليون نسمة. ومعدل النساء يقارب 50% أي حوالي نصف السكان، “فالنساء هن المصادر البشرية للبلد، وبإمكاننا وعلينا الاعتماد على الطاقة النسوية لمؤازرة الدولة لتصبح صناعية ومتطورة”[vi].
وفي الوقت الراهن فإن نسبة النساء في القوى العاملة هي 47% بينما نسبة الرجال 84% والمسألة ليست زيادة نسبة عدد النساء في القوى العاملة وإنما تعزيز مكانة المرأة في القوى العاملة)[vii].
وقد توجد أسباب أخرى غير مباشرة أو أسباب ثانوية تستدعي خروج المرأة للعمل مثل الإحساس بالملل والكآبة داخل البيت! خاصة وإذا كانت المرأة قد أخذت قسطا عاليا من الدراسة والتكوين المهني، فترى أن الزواج وإنجاب الأولاد قد حطم مستقبلها وضيّع آمالها في تحقيق طموحاتها في أن تكون مدرسة أو مهندسة أو طبيبة أو موظفة، وتنسى أو تتجاهل أن تعليمها لم يكن المقصد الأساس منه هو التوظيف، إنما المقصود منه تثقيف المرأة وتوعيتها لأجل أداء دورها الفطري وهو تربية الأولاد بغرض إنتاج جيل واع! “ولكن الصناعة والتعليم الأفضل والمؤهلات سحبت المرأة لمشاركة القوى العالمة، ولهذا تأثير على الحياة الأسرية”[viii].
وهذا من جانب إضافة إلى جانب آخر لم أره إلا في المجتمع الماليزي ومن خلال تعاملاتي اليومية مع بعض السيدات الكبيرات في السن (ممرضات، حارسات، طباخات، عاملات تنظيف)، فحينما أسألهن عن سبب الخروج للعمل وتفضيله عن البقاء في البيت، يجمعن كلهن على أن السبب هو الإحساس بالملل والفراغ بسبب خروج الأبناء والزوج للعمل أو الدراسة، ويجدر التنبيه أن أكثرهن كن عاملات ووصلن لسن التقاعد، وهذا يعني أن لديهن معاش التقاعد، فليس السبب إذن في خروجهن هو كسب المال بل الإحساس بالملل والفراغ والكآبة، في زمن لم يعد فيه وجود للعائلات الممتدة، إذ حلت الأسر النووية محلها، وضاعت في زحمة الحياة الروابط الاجتماعية!!

Similar Posts