رائد علم الجيولوجيا في مصر

د. حافظ شمس الدين عبدالوهاب
إن قدر الإنسان منوط بعمله، فبالأعمال يتفاضل الناس، ولا شك فى أن الاشتغال بالعلم من أجل الأعمال، وقد كرّم الله الإنسان بأن خصّه بشرف العلم، وليس قبل هذا وبعده تأكيد بشرف العلم وقدر العلماء
وقد خص الله الإنسان باستخلافه فى الأرض، وأداء حق هذه الخلافة أن يصنع الإنسان على الأرض خير حياة تفيد والإنسانية والكائنات.
لكن صُنَّاع الحياة قليلون، بل صارت الحياة هى التى تصنع أكثر الناس إلا أن مصر فى عطاء دائم،معينها لا ينضب من النابهين والعلماء، الذين أثروا شتى مناحى الحياة ببحوثهم وإنجازاتهم وإبداعاتهم التى تدعو إلى الفخر بهم، حتى بعد انتقالهم للقاء ربهم. ومن بين هؤلاء العلماء الذين حفروا لاسمهم مكانة خالدة فى سجل مصر العلمى يبزغ اسم الدكتور أحمد عاطف دردير، الذى يعد من أشهر علماء الجيولوجيا فى تاريخ مصر.
عمل فور تخرجه جيولوجيا فى هيئة المساحة الجيولوجية المصرية وتدرج فى مختلف الوظائف فيها حتى عين رئيسًا للهيئة، وخلال تقلده وظيفته شهدت الهيئة إنجازا ت تفخر بها مصر حتى الآن، حيث أصبحت الهيئة هى المسؤولة عن البحث والتنقيب والتقييم لخامات مصر وثروتها المعدنية التى تنتشر فى صحارى مصر، وكانت تنتظر من يكشف عنها النقاب لتصبح رافدًا مهما فى دعم الاقتصاد المصرى، وقد تحقق هذا الحلم إبان رئاسته هيئة المساحة الجيولوجية المصرية التى استمرت حتى نهاية عام 1993.
ومن الأمور المضيئة فى تاريخه العلمى، أنه كان أول مصري يرأس شركة مهمة لاستخراج الأملاح من بحيرة قارون، التى تحولت فى عهده إلى شركة تضيف رافدًا إلي الاقتصاد المصري وتوفر آلاف فرص العمل بدلا من كونها عاملا فى تدهور بيئة بحيرة قارون. إضافة إلى ذلك فقد نشر الدكتور أحمد عاطف دردير أكثر من مائتى بحث فى مختلف فروع الجيولوجيا الاقتصادية التى أسهمت فى استكشاف الكثير من الخامات على خريطة مصر الاقتصادية، كذلك شارك بسهم وافر فى كثير من المشروعات الجيولوجية فى مختلف الوزارات والشركات والمؤسسات التى أفادت من قدراته وإمكاناته العملية والعلمية. وكانت الجامعات حريصة على الإفادة من جهوده. فعين أستاذا غير متفرغ فى كثير من الجامعات المصرية.
باله من تاريخ علمى وتطبيقى مشرف، وجهاد متواصل للعالم الراحل أحمد عاطف دردير، الذى قاد مدرسة علمية متفردة ارتقى بها إلى مجال العالمية فى تخصصه واستطاع أن يحرر الأفكار التى كانت سائدة فى وقتها عن طريق الكشف عن المعادن واستغلالها، استطاع أن يحررها من أسر الرؤية الضيقة وينطلق بها إلي آفاق العالمية المتقدمة، وكانت له رؤى وآراء فى الإدارة العلمية فكانت بحوثه وكتاباته عميقة واقعية تثبت من أرض الواقع، وتستشرف آمالا مستقبلية واعدة.
هذا شئ يسير من سيرة هذا العالم الذى أسهم فى رسم مستقبل مصر، والذى يعرفه كل من زامله أو عمل معه أو تلميذ له على مدى نصف قرن أو يزيد، والذى انتقل إلى رحاب ربه يوم الاثنين 25 مارس 2013، ليترك تراثًا ضخمًا من الإنجازات والأعمال التى ستكون زادًا يهتدى به كل من يعمل فى مجال الجيولوجيا والثروات المعدنية. رحم الله الفقيد بقدر ما أعطى .. وعوض مصر عن فقده بأبنائه من رجال الجيولوجيا الذين نهلوا من علمه طيلة نصف قرن.
 

Similar Posts