سنة أولى ديمقراطية

للمستشار محمود الوزير

هذا الكتاب.. لماذا ؟

عودة الوعى لكثير من المصريين هى غاية ننشدها جميعا، لنرى بلدنا ارقى دول العالم، وهو حلم قابل للتحقيق لو تكاتفنا جميعا لإصلاح مافسد،واولى وسائل عودة الوعى هى المعرفة، وبها يعلم المصريون ماهى حقوقهم وواجباتهم. وبالتالى نضع مجتمعنا على بداية الطريق الصحيح الذى يصل بنا – بإذن الله- إلى مجتمع نسعد بالعيش فيه،ولأن كلمة الديمقراطية تبارى الكثير لشرحها مابين مؤيد لها وآخرين ادخلوها فى خانة التحريم، رغم وجود نصوص قرآنية تأمر باتباع الشورى فى الأمور كلها ،ولأننا على ابواب انتخابات برلمانية قادمة، نقدم للقارئ العزيز كتاب «سنة اولى ديمقراطية» للمستشار محمود الوزير الذى يقدم لنا فيه شرحا مبسطا لمفهوم كلمة الديمقراطية، و للعملية الإنتخابية، وكيفية حكم الشعب لنفسه، واولى حقوقه فى إختيار نوابه وحقه فى سحب الثقة منهم لو لم يلتزموا بما عاهدوا به.مع تقديمه لنماذج حكومات فى دول عريقة فى تطبيقها للحكم الديمقراطى، لعلنا نستفيد من تجاربهم لنصل للهدف المنشود، وهو تمتعنا جميعا بحكم ديمقراطى ينقل مصرنا الحبيبة لمصاف الدول المتقدمة، ولمكانتها التى تستحقها بالفعل.

ثنــــــاء أبـوالحمــــد

إن السلطة لا تقوم فى الجماعة البشرية إلا لأن الناس فى حاجة إلى الحرية، والحرية لا تكون إلا فى ظل النظام، والنظام لا يستقر إلا فى ظل السلطة. فإذا كان الناس قد قبلوا السلطة فلأنهم فى حاجة ماسة إلى الحرية. ومن ثم فإن من أهم ما يقيد سلطة الحكام المحافظة على الحقوق والحريات العامة.

الشعب صاحب السيادة

الشعوب الفقيرة نوعان، شعوب أفقرتها قسوة الحكومة بين الوعيد والعقاب وهى عاجزة عن كل فضيلة تقريبًا. ذلك أن فقرها جزء من عبوديتها وشعوب فقيرة لأنها مستخفة أو لأنها لم تعرف رغد العيش. هذه الشعوب الأخيرة يمكنها أن تأتى بأمور عظيمة ذلك أن الفقر جزء من حريتها بينما الشعوب الأولى هى التى جعلت الحكومات مستبدة فاسدة بفساد مبادئها مغتصبة لحق سيادتها وشعبها. فكان هذا من أهم العوامل التى أدت إلى خرابها وجعلت الشعب لا شيء فى يد السلطة المطلقة للحكومة تفعل به ما تشاء وقتما تشاء، وجعلته خادمًا لها بعد أن كان سيدًا ولو كان هذا الشعب يعلم حقوقه وما له من قوة وسيادة ما كان ذلك ليحدث أبدًا.
فالسلطة ليس لها مصدر إلا الشعب، هو الذى يمنحها للحكام بإرادته الحرة. وعندما يطيع فليست هذه الطاعة طاعة للحكام ولكنها احترام للنظام، لأنه لا شىء يكبل إرادة الفرد إلا إرادته، والحكام فى الدولة ليسوا إلا مجرد أدوات لممارسة السلطة دون أن يكون لأحد منهم حق فى هذه السلطة وإن مارس كل منهم اختصاصات مستقلة فهم لا يتقاسمون فيما بينهم السلطة العامة وإنما يتقاسمون الاختصاصات فقط. وتلك الاختصاصات ليس لها إلا هدف واحد يجب ألا يحيد عنه ألا وهو العمل فى سبيل مصلحة الشعب. وأن الخروج عن هذا الهدف يعنى عودة السلطة إلى الشعب الذى له أن يرد الحكام إلى حدودهم كما أن له أن يستبدلهم بغيرهم ويوقف طغيانهم حيث إنه الرقيب عليهم. ولا مراء فى أن رضا المحكومين بالسلطة الحاكمة هو الذى يسبغ عليها صفة المشروعية، ويجعلها سلطة قانونية، بل أكثر من ذلك، يجعل للدولة فى ذاتها شرعية.
ولنا أن نتساءل، إن كانت هناك دولة فمن هو صاحب هذه الدولة؟ ومن الذى أقامها؟ ومن الذى أوجد فيها؟ ومن الذى طالب بوضع نظام لها؟ ومن اتفق على هذا النظام ووضعه، ووضع كيفية تطبيقه؟ وكيف أصبح البعض حُكامًا والبعض الآخر محكومين، بعد أن كان الكل حاكمًا وأحرارًا. ولست أعتقد أن هناك من إجابة على تلك الأسئلة جميعها إلا إجابة واحدة ـ لا خلاف فيها ولا جدال ـ هى الشعب. فالشعب هو صاحب السيادة وهو السلطة العليا، التى لا يسمو عليها شىء فى المجتمع ولا تخضع لأحد وتسمو فوق الجميع، وتفرض نفسها على الجميع. فسلطة الشعب سلطة أصيلة، لا تستمد أصلها من سلطة أخرى. وقد يقول قائل الآن: لماذا إذن نخضع للهيئات الإدارية والسلطات فى الدولة؟ وعليه سنجيبه بهذا التحليل أنه إذا نظرنا إلى جميع الهيئات الإدارية الدنيا نجدها تستمد سلطاتها من الهيئات الإدارية العليا وهذه تستمد سلطاتها من القانون، والقانون من وضع الهيئة التشريعية أو البرلمانية، والبرلمان يستمد سلطاته من الدستور، والدستور من صنع الشعب، وسلطة الشعب لا تعلوها سلطة. ومن ثم، تكون سلطة أصلية، ونحن حين نخضع لا نخضع لتلك الهيئات، بل نخضع لسيادة القانون والذى يقتضى خضوع جميع السلطات فى الدولة له، حاكمًا ومحكومين. وهذا المبدأ القانونى يقضى به لصالح الأفراد وحماية لحقوقهم ضد تحكم السلطة والاعتراف بحقوقهم الفردية وذلك ما تضمنته أغلب دساتير الدول الديمقراطية بموجب إعمال مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث فى الدولة (التشريعية، التنفيذية، القضائية). حيث إنه إذا تجمعت السلطات فى يد واحدة فلن تكون هناك أية ضمانة لاحترام هذه القواعد، ولن يقف فى سبيل الحاكم شىء إذا استبد بالسلطة. فمثلًا إذا اجتمعت وظيفة الحكومة ووظيفة البرلمان فى يد واحدة، فإن القانون قد يفقد ضمانته الأساسية، ألا وهى أنه يضع قواعد عامة مجردة لا تسرى بأغراض شخصية. ويصدق نفس الشىء فى حالة اجتماع وظيفتى الحكومة والقضاء فى يد واحدة، فحينئذ يكون القاضى خصمًا وحكمًا فى آن واحد، فيحابى من يشاء ويعسف بمن يريد. ولذلك جاء المبدأ الثالث وهو تدرج السلطات، بمعنى أنه لا يجوز للسلطة الدنيا أن تخالف السلطة العليا فى المجتمع. فالسلطة التشريعية وهى أعلى من السلطتين الأخريين، حيث إنها وكيل ذو سيادة عن الشعب فلا يجوز أن يخالفها من
السلطات من هم أدنى منها. وكذلك الأمر بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية. ولا شك أن هذه الأمور أهم ضمانات حماية الحقوق الفردية ولست أشك فى أن تلك هى العدالة التى يجب أن يكون عليها أى مجتمع.
انظر من حولك فى نواحى المجتمع المحيط بك ثم تفكّر فى حال أولئك الذين يسخرون لذاتهم ولهواهم أقوى عناصر المجتمع جهودًا ويبددون جهود تلك العناصر تبديدًا لا يعود إلا بنتيجة واحدة ألا وهى تقوية سلطاتهم فى جسم المجتمع. وحينئذ فإنك تصل إلى النتيجة المحتومة، ألا وهى أن كل هؤلاء وأمثالهم قبضوا على خناق الطبيعة الإنسانية، وما تلك الثورة فى الواقع إلا نظير كل ثورة تماثلها وهى نتاج لما حاولت القوى المستبدة أن تخنق من نشوء الطبيعة الإنسانية لأن مختلف صور السياسات القائمة فى نواحى الأرض خاضعة للرغبات الإنسانية فحتى فى الخضوع للاستبداد اختيار بين الخضوع وبين الموت. ومن هنا ينهض الفارق الأساسى بين الشعوب المتخلفة والشعوب المتقدمة، فهذه الأولى بعد أن يأست من الإصلاح ارتمت فى أحضان الاستبداد، بينما الشعوب المتقدمة تدافع ضد هذا الاستبداد وعن ذاك المصير دفاع المستميت ومنذ ذلك الحين صارت التفرقة بينهما. وليس منا من ينكر أن فى حياتنا السياسية فسادًا وأن فى مجتمعنا مساوئ ولكن من ذا الذى فى وسعه الإتيان بما هو أضمن سبيلًا إلى السلامة والإصلاح إلا نحن، لأن الإصلاح الحقيقى هو ما ينبثق من داخل أنفسنا. كما أن الثورات التى قامت فى البلاد، حتى الآن، لم تكن إلا حركات جذرية ومن ثم فيجب علينا جميعًا أن ننتهج طريق التقدم والتطور. فإن الأفراد فردًا فردًا فى كتلة العامة ليس لهم من القيمة الشىء الكبير ولكنهم لهم قيمة عظيمة فى مجموعهم.
وعلى ذلك يمكن تشبيه الشعب بأولئك العميان الخمسة الذين ذهبوا لمشاهدة الفيل وإذا لمس كلٌ منهم جانبًا مختلفًا منه فقد كونوا فى أنفسهم آراءً مختلفة، عن حجمه وشكله. وهكذا، نحن، فمهما توخينا النزاهة والدقة فإن الاختلاف فى نشأة كلٍ منا ومصالحه ثم فى مدى إدراك كلٍ منا وفهمه يؤدى بنا إلى أن نكون لأنفسنا وجهات نظر فى الأمور قد لا يتفق بعضها مع البعض الآخر ولكن أصحاب النظرة الكلية حين يقبلون على السلطة فإنهم يعمدون إلى فرض سياستهم الخاصة بهم والقضاء على كل تعبير مناقض لهم. وهناك نتيجة أخرى لها ما لها من الحكمة أنه مهما كانت تلك الأيادى التى تُسَلَّم إليها السلطة نقية وقوية فإن التبصر يقتضى أن تتخذ الضمانات من الأخطاء وسوء الاستعمال التى يرتكبها الضعف الإنسانى وغيره من الأعذار، أنه مهما تكن الثقة التى يستحقها رجال الحكومة فلا يزال السبيل الآمن أن يُوكَل الأمرُ إلى سيادة الشعب، ولا غرابة ألا يكون معنى السيادة وأسلوب تطبيقها أوضح فهمًا حتى عند الشعوب التى نشأت فيها وترعرعت على يديها، لأن الشعب يريد خيره باستمرار ولكن قد لا يراه دائمًا. والشعب لا يمكن أن يُرشَى، ولكنه يمكن أن يُضلَّل فى كثير من الأحيان. وهذا وحده ما يجعله يبدو أنه أخطأ السبيل وذلك ما دفعنى لاختيار هذا الكتاب، هادفًا من ذلك أن يكون بمثابة قواعد أساسية للذين يعيشون فى الشعب ولا يفقهون شيئًا عن حقوقهم السيادية وقد يختلف معى البعض فيقول أن هناك حقوقًا كثيرة أهم من سيادة الشعب! ولكننى أجيبه بكل ثقة وأؤكد له أن معرفة الشعب لحقوقه السيادية، وكيفية مزاولتها هى بلا شك إصلاح الإصلاحات وأساس جميع الحقوق فى الدولة. فليس من المنطقى أن يطالب بحق دون أن يتم إظهار هذا الحق أولًا، وأساسه الذى بنى عليه، ولماذا أصبح حقًا، فكثير من أفراد الشعب يتحدثون عن الحكومة ولا يعلمون أوجه حقوقهم السيادية تجاهها، وآخرون كثيرون يتحدثون عن البرلمان ولكن لم يذكر أحد الحقوق السيادية للشعب على البرلمان ونوابه وطرق ممارسة تلك السيادة. إذًا لنا أن نعلم أن الشعب بلا سيادة كالدولة بلا دستور.

المستشار محمود الوزير

Similar Posts