صدقة الجاموسة… استثمار للفقراء

صدقة الجاموسة… استثمار للفقراء
يمثل نموذج التصدق بالجاموسة أو بمشروع إنتاجي أحد الأساليب التي استخدمتها الجمعيات الخيرية العربية والإسلامية لاستثمار أموال المتبرعين، لتصبح بمثابة صدقة جارية، وتحول الفقراء إلى منتجين، فإذا ذهبت إلى لبنان فستجد لجنة الزكاة تعطي المحتاجين جاموسة تعينهم على أكل العيش، وهو لا يختلف
كثيرا عما تقوم به جمعيات مصرية، منها دار الأورمان، وخليجية مثل الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية.
وفي هذا الإطار نرصد نموذج جمعية “دار الأورمان” الخيرية في مصر التي أنشئت عام 1999، لاستغلال أموال التبرعات في إقامة مشروعات إنتاجية للفقراء، والمشاكل التي اعترضتها خاصة من الحكومة، كذلك نرصد بعض شكاوى الفقراء المتعاملين مع الجمعية.
الفكرة والمشروع
وتقوم فكرة الجمعية على قيامها بشراء جاموسة عُشَراء للشخص الفقير بأموال التبرعات، ويستفيد هذا الشخص وأسرته بما تنتجه الجاموسة من ألبان يتم تحويلها إلى جبن ومنتجات أخرى، ولكن تظل الجاموسة ملكا للجمعية، وإذا أنجبت مولودا ذكرا تبيعه الأسرة بعد 4 شهور، ولو كان أنثى تربيه، ولا يوجد
أجَل محدد للاستفادة من الجاموسة، فهي مشروع إنتاجي دائم.
وهناك مشروع آخر تقوم به الجمعية، وهو شراء كُشك (دكان صغير) مع البضاعة والثلاجة، غير أن ثمن هذا المشروع الذي قد يصل إلى 7 آلاف جنيه يُدفع مناصفة بين الجمعية والشخص الذي يتسلم الكشك عن طريق التقسيط الشهري بدون فوائد. وتبرر الجمعية المناصفة في مشروع الكشك، لأنه يعد
مشروعا تجاريا، وأرباحه عالية.
ووفقا لـ”سمير عبد السميع” مدير إدارة الجمعية فقد تم توزيع نحو 3200 جاموسة حتى نهاية عام 2003، ويصل ثمن الجاموسة العُشراء في المتوسط من 3000 إلى 4000 جنيه (الدولار= 6.18 جنيها رسميا)، كما تم توزيع 1000 كشك.
ونظرا لأن مشروعي الجاموسة والكشك لا يعمل فيهما فقط الشخص الذي تسلمه وإنما أسرته، لذا فوفقا لتقديرات الجمعية فإن المشروع الواحد قد يوفر 5 فرص عمل، مما يساهم في خفض نسبة البطالة في المجتمع المصري التي تصل إلى 9%، وفقا للبنك المركزي المصري في عام 2002. وإن كانت
الأرقام غير الرسمية تقول بأنها أكبر من ذلك بكثير.
شروط تسلم الجاموسة
أما اختيار المستفيدين من هذه المشروعات فيتم بداية عن طريق وزارة الشئون الاجتماعية التي تستقبل العديد من الفقراء للحصول على مساعدات مالية، ثم تقوم الوزارة بتوجيههم إلى الجمعيات الخيرية ومنها دار الأورمان.
كما تتحرى إدارة المتابعة التابعة لجمعية دار الأورمان -الموجودة في 10 محافظات- عن حالة المتقدم للحصول على التبرع، من خلال زيارة محل سكنه، وسؤال الجيران، لمعرفة الحالة المادية والاجتماعية. ويشترط أيضا التقدم بالأوراق التي تفيد بعدم وجود جهة أخرى تحصل منها الأسرة على دخل ثابت.
وهناك شروط للحصول على الجاموسة العشراء، مثل وجود مكان نظيف لتربيتها، وكذلك خبرة مسبقة عن تربية الجاموس، وهو غالبا ما يكون متوافرا، نظرا لأن معظم المستفيدين من المشروع من سكان القرى والنجوع في مصر.
وقبل توزيع الجاموسة يتم عمل دورة تدريبية للأشخاص الذين يتسلمونها حول كيفية رعايتها صحيا واستثمار ألبانها بشكل يدر عائدا على الأسرة. وتمنح الجمعية للأسر المختارة طعام الجاموس لمدة أربعة أشهر، حتى يبدأ المستفيد في الحصول على عائد من الجاموسة، بالإضافة إلى أن الجاموسة مؤمَّن عليها،

بحيث لو ماتت أو حدث لها أي مكروه يتم تسليم بدل عنها.

ما بعد التوزيع

لم ينته دور الجمعية عند ذلك، فهناك متابعة ما بعد التوزيع، من خلال زيارات تتم أحيانا بشكل دوري أو مفاجئ، يقوم بها أطباء بيطريون تابعون للجمعية، لمتابعة حالة الجاموسة وصحتها، ومدى الاستفادة منها، بالإضافة إلى متابعة مدى جدية المستفيد في رعايته واستفادته، لمنع أي تحايل من بعض الأفراد.

كما وضعت الجمعية شروطا لاستمرار الاحتفاظ بالجاموسة، منها أن يحدث تطور في حالة الأسرة اجتماعيا وماديا من خلال تعليم الأبناء، أو محو أميتهم، كما يمنع المستفيد من بيع مولود الجاموسة إلا بعد مرور أربعة أشهر، أما لو حدث أن باع المستفيد الجاموسة نفسها، فإنه يتم معاقبته بالسجن، نظرا لأنه

يكتب إيصال أمانة على نفسه، بعدم التصرف بالبيع، كما يتم سحب الجاموسة في حالة تقاعس المستفيد.

وكما في حالة الجاموسة فإن الجمعية تعطي إرشادات للمستفيدين من مشروع الأكشاك عن طريقة التعامل مع تجار الجملة، وأسلوب الدفع بالآجل، والدفع المقدم، بل وإرشادهم إلى بعض التجار الذين يمكنهم التعامل معهم، ويتم متابعتهم من خلال قدرتهم على بيع البضاعة، وتغطيتهم للتكلفة، وفي حالة التأكد من

تقاعسهم يتم سحب الكشك منه.

مشكلات في التطبيق

غير أن تجربة الجمعية تواجه مشكلات عديدة، فيقول مدير إدارة المشروعات بالجمعية: إن الحصول على التراخيص للأكشاك كانت أهم مشكلة، لذلك فنحن نقوم بتوزيع الأكشاك والجاموس في حضور المحافظ أو رئيس الحي، حتى نستطيع أن نطالبه بتسهيلات في عملية الحصول على هذه التراخيص.

بالإضافة إلى أن الحكومة تطلب الآن فرض ضرائب على الأكشاك، وهو ما نحاول منعه، نظرا لأن هؤلاء المستفيدين لا يريدون سوى الحصول على قوتهم اليومي، فلا يعقل أن نطالبهم بمزيد من الأعباء في شكل ضرائب، وفقا لمدير إدارة المشروعات.

شكاوى الفقراء

وللفقراء الذين توجه لهم هذه المشروعات شكاوى من الجمعية نفسها، فيقول “حسن عطية محمد” الذي تسلم “كشكا” من الجمعية منذ نحو سنة: إن هناك شروطا صعبة تضعها الجمعية لدفع نصف قيمة الكشك، فقد قامت بأخذ 36 شيكا، قيمة كل منها 100 جنيه، يتم تسديدها على شكل قسط شهري، يبلغ

100 جنيه، بالإضافة إلى قسط لثلاجة وهو 20 جنيها، وهكذا يصبح المبلغ الإجمالي 120 جنيها شهريا، وهو مبلغ كبير نسبيا بمقارنته بالحالة الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الجميع.

ويتابع عطية: “تواجدنا في منطقة ريفية، حيث غالبا ما يتم البيع بهامش ربح ضئيل جدا، كما يتم عن طريق الدفع بالآجل (الشكك)، وهو ما يدفعنا أحيانا إلى الاقتراض لتسديد القسط الشهري”.

أما “إعتماد رجب” -وهي إحدى المستفيدات من مشروع الجاموسة العشراء- فتقول: إنها عندما تقدمت للجمعية للحصول على ماكينة خياطة، أو الكشك، حيث إن زوجها لا يستطيع العمل نظرا لسنه الكبيرة (63 سنة)، ولها 8 أولاد، فوجئت بأن اسمها جاء في المستفيدين من مشروع الجاموسة العشراء.

وتشتكي “إعتماد” من كثرة تكاليف الإنفاق على الجاموسة، فتكاليف إطعامها بالإضافة إلى تكلفة رعايتها صحيا لا تقارن بإنتاجها، حيث إن لبنها قليل جدا، كما أننا لا نستطيع بيع مولودها إلا بعد فترة معينة، هذا بالإضافة إلى أن الجمعية امتنعت عن إعطائهم المصروف الشهري الذي كانت تخصصه لشراء

طعام الجاموسة والذي يبلغ 120 جنيها بمجرد أن ولدت الجاموسة، حيث اعتبرت الجمعية أنها قد أصبحت قادرة على الإنتاج.

وتضيف “إعتماد” أنه نظرا لهذه التكلفة الكبيرة فقد تقدمت إلى الجمعية لطلب إرجاع الجاموسة لهم، ولكنهم اشترطوا أن يأخذوا أيضا مولودها، وهو ما اضطرها إلى سحب طلبها، رجاء أن يتم الاستفادة من بيع المولود بعد الفترة المقررة من قبل الجمعية.

ويشتكي “رجب عبد الحميد” الذي يملك جاموسة من الجمعية من أن زيارات المتابعة هي مجرد زيارات روتينية، للتأكد من وجود الجاموسة، ولكن علاجها وتلقيحها يتم على نفقتهم الخاصة، وهو ما يجعل عائدها ضعيفا.

يبقى أن هذه المشكلات تحتاج إلى مواجهة فعالة من الجمعية نفسها، وإلى مراعاة ظروف من يتسلمون هذه المشروعات، حتى يستمر هذا النمط من الخير الاستثماري قائما، فهو ملاذ المهمشين، ومن تركتهم الدولة دونما غطاء.

Similar Posts