طاهر الجمل خبير أمن المعلومات العالمى: منع القرصنة نهائياً مستحيل.. وإسرائيل ليست المشكلة

لأن الإنترنت وتكنولوجيا الاتصالات أصبحا عنصرين أساسيين فى حياتنا جميعاً، لذلك صار الأمن الإلكترونى ضرورة ملحة للأشخاص والشركات والدول، خصوصاً بعد ما سمعناه حول فضائح التجسس والاختراق الدولية على الأفراد والحكومات. ويعتبر العالم والخبير المصرى الدكتور طاهر الجمل، أحد أهم المتخصصين فى مجال الأمن والتشفير الإلكترونى عالمياً، وله ابتكارات ومساهمات عديدة فى هذا المجال. فى هذا الحوار يخبرنا “الجمل” عن رؤيته حول قضايا الأمن الالكترونى والطرق المثلى للتعامل مع القرصنة وهل نحن فعلا فى طريقنا لحرب إلكترونية، وكذلك رأيه فى مسألة حجب المواقع فى مصر، فإلي نص الحوار..
• هل توجد حلول مثالية لمشكلات القرصنة الإلكترونية فى مصر؟
ــ تعتبر القرصنة الإلكترونية مشكلة عالمية، ومكافحتها ليست بالشىء البسيط خاصة مع وجود شبكة الإنترنت، حيث إنه لا يتم الاعتماد فى مواجهتها على تكنولوجيا واحدة أو اثنين بل على مجموعة تقنيات بالإضافة إلى بعض القوانين، لذلك يجب توافر التقنية والقوانين اللازمة فى أى بلد لمواجهة مشكلات القرصنة بشكل فعال، وأى بلد يحتاج لزيادة تأمين الشبكات الإلكترونية الخاصة به، وتأمين المعلومات فى مصر ما زال أقل من اللازم، كما أن صناعة حماية المعلومات فى مصر ما زالت فى بدايتها، لكن لاحظت خلال العامين الماضيين اهتماما ملحوظا بأهمية حماية البيانات خاصة فى البنوك والمؤسسات الكبيرة والجهات الحكومية.
• مصر لديها سمعة سيئة فى مجال القرصنة وأمن المعلومات، فكيف نواجه هذه المشكلة؟
ــ لا يوجد بلد لا يعانى من هذه المشكلة، فطبيعى أن يحب الشباب الصغير التجربة، وقد يعتبر القرصنة مجرد لعبة، من خلال محاولة البحث على شبكة الإنترنت لتعلم كيفية الوصول لبيانات وكلمات سر البطاقات الائتمانية المسروقة، لذلك ترتيب مصر عال فى قائمة البلاد التى يحدث فيها سطو على بيانات البطاقات الائتمانية، وهذا إن دل على شيء فيدل على أن لدينا فى مصر عقولا ممتازة ولكن ينقصها أن يتم إعدادها وتوجيهها لنستفيد منها فى مجال الدفاع ضد القرصنة والهجمات على الإنترنت، لأن الشخص الذى يدافع من اللازم أن يكون لديه قدرات الشخص الذى يهاجم، فلا يمكن الدفاع عن أى نظام إلكترونى إلا إذا كنت تعلم جيداً كيفية الهجوم.
• تردد على مسامعنا مؤخراً مصطلح الحروب الإلكترونية، فهل نحن مستعدون لها بالشكل الأمثل؟
ــ كل بلاد العالم معرضة فى أى لحظة لأى من هجمات الحروب الإلكترونية، والمهم هو الاستعداد لصد مثل تلك الهجمات على الشبكات الخاصة بنا، ويجب عدم الاستهانة بها، لأن الحروب الإلكترونية ليست مقصورة على فكرة السطو على معلومات دولة أخرى وإنما تعتبر حربا بالمعنى الحقيقى، فمن خلال شبكة الإنترنت أصبح ممكنا الوصول لأى مكان فى أى دولة والتحكم فيه، فيمكن على سبيل المثال التحكم فى شبكات الكهرباء، وهذا يعتبر أمرا خطيرا للغاية على الأمن القومى لأى دولة فى العالم.
ومن المؤكد أننا هدف وأن هناك جهات خارجية قد نجحت فى وقت من الأوقات فى اختراق شبكاتنا والحصول على معلومات لدينا، مثلما حدث فى بلاد عربية أخرى مثل شركة أرامكو السعودية التى تم حذف جميع البيانات من على 30 ألف جهاز كمبيوتر بها، والمشكلة الأكبر وقتها كانت فى عدم الاهتمام بالاحتفاظ بنسخ احتياطية من البيانات التى حذفت، وحدثت مشكلة مماثلة فى قطر.
• وهل العودة للطرق التقليدية فى العمل مثل الأنظمة الورقية أفضل فى هذه الحالة؟
ــ ميزة مهمة جداً أن يتم تحويل الأعمال لشبكة الإنترنت خاصة أنها تعتبر أرخص من الطرق العادية فى تنفيذ الأعمال، حيث يمكننا مثلا حل مشكلة خطيرة مثل مشكلة المرور لو تم توفير شبكة خدمات إلكترونية للمواطن المصرى، مثلما هو حاصل الآن فى دول الخليج، وهذا ليس معناه أن الخطر بعيد عنا لأن غالبية الأماكن الهامة فى البلد متصلة بشبكة إلكترونية بالفعل، فعلى سبيل المثال لدنيا كل أنظمة البنوك، وشبكات شركات الكهرباء والتليفونات والموبايل كلها متصلة بالإنترنت. مصر مؤهلة لمواجهة أى أخطار لو أرادت، لكن لم يظهر بعد الاهتمام الكافى لتوفير الإمكانيات لمواجهة مثل تلك الأخطار الإلكترونية.
• ترددت أقاويل كثيرة حول شركات اسرائيلية تتجسس على مصر من خلال التليفونات الذكية، ما رأيك؟
ــ الهواتف الذكية تحتاج لجهد كبير لحمايتها، خاصة أنها متصلة بشكل مستمر بشبكة الإنترنت، ولكن الأمر ليس له علاقة بشركات إسرائيلية أو غير إسرائيلية، فالإنترنت كله متصل ببعضه البعض، ويمكن تشبيه ذلك بالشوارع فكل شخص لديه القدرة للذهاب من وإلى أى مكان، والواجب علينا ان نحمى البيانات التى نمتلكها، ويجب التفكير أكثر من مرة قبل إتاحة معلوماتنا الشخصية عبر أجهزة الهواتف الذكية من خلال التطبيقات المختلفة مثل فيس بوك على سبيل المثال، فشبكة فيس بوك مشكلة حقيقية، حيث يوجد مليار مستخدم عليها من جميع أنحاء العالم، ومعلوماتهم كلها موجودة ومتاحة للجميع، وهم فى حاجة شديدة للتوعية بأهمية عدم إتاحة البيانات والمعلومات الشخصية على الإنترنت.
• وهل يمكن عملياً منع انتهاك حقوق الملكية الفكرية فى مصر عبر القرصنة الإلكترونية؟
ــ لقد استخدمت كلمة قوية فى سؤالك وهى كلمة «منع»، لأنك لا يمكن أن تمنع بشكل كامل، لكن يجب أن يتم النظر للموضوع بشكل عملى، فبعض العاملين فى مجال النشر الورقى على سبيل المثال يكون لديهم تخوف من طرح إصداراتهم على الإنترنت تخوفاً من قرصنتها، ولكن إذا تم معرفة أنه فى حالة طرحها بشكل إلكترونى بسعر مناسب فإنه سيكسب مستخدمين جددا لديهم الرغبة فى الحصول على مطبوعاتهم بشكل إلكترونى، ولن يتم ذلك سوى بالاعتماد على التقنيات التى تصعب من عملية القرصنة الإلكترونية، والتى لا تمنع بشكل كامل، ومن ناحية أخرى يجب أن تتوافر قوانين ضد جرائم انتهاك حقوق الملكية الفكرية.
• ما رأيك فى الأفكار المطروحة لحجب بعض المواقع والتطبيقات فى مصر؟
ــ رأيى أن هذا تضييع وقت، وأتمنى الاستفادة بالخبرات والقدرات التى لدينا فى البناء وليس الهدم، هناك دائماً تصرفات خطأ يتم ارتكابها، فى الصين على سبيل المثال يفترض أن موقع فيس بوك ممنوع هناك، ومع ذلك كل الصينيين الذين قابلتهم لديهم حساب على فيس بوك، وبرغم الحجب يستطيعون الوصول للموقع، ولو أغلقت بابا واحدا على الإنترنت ستجد آلاف الأبواب غيره تم فتحها، لذلك أرجو الاهتمام بزيادة الوعى الأخلاقى والتكنولوجى لدى الشباب، وتجاهل السلبيات الموجودة لأنه مهما فعلنا، ستظل هناك طرق للتحايل على المنع والحجب.
• هل يمكن للجامعات المصرية أن توفر عقولا تستطيع المنافسة العالمية فى مجال التكنولوجيا؟
ــ التخصص هو الحل، فلا يمكننا منافسة العالم فى كل مجالات التكنولوجيا والتى بدأوها قبلنا بعشرات السنين، ولدينا العقول الشابة فى مصر التى نحتاج لتشجيعها على الأقل معنوياً، ولكى ننجح فى مصر يجب علينا تدريب الشباب على تخصصات محددة يكون الهدف تحقيق طفرة فيها، مثلما حدث فى بعض دول العالم الثالث.
د. طاهر الجمل
عالم مصرى مقيم بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث حصل على شهادتى الماجستير والدكتوراه فى علوم الكمبيوتر من جامعة ستانفورد، بعدما حصل على شهادة بكالوريوس العلوم من جامعة القاهرة. وضع نظرية باسمه فى مجال التشفير الإلكترونى كانت ركيزة أساسية لتطوير بروتوكول مهم فى عالم التشفير عبر شبكات الإنترنت وهوSSL، كما شارك ايضا فى وضع البروتوكول الشهير عالميا فى مجال تأمين بطاقات الائتمان والمعروف باسم بروتوكول المعاملات الإلكترونية المؤمنة، وعمل فى الفترة ما بين عامى 1995 ــ 1998 كرئيس للعلماء فى شركة نتسكيب للاتصالات، حيث كان المحرك الرئيس لبروتوكول SSL، كما شغل منصب موجه الهندسة فى شركة RSA للأمن قبل أن يؤسس فى عام 1998 شركة سيكيورفاى ويصبح مديرا عاما لها.
 

Similar Posts