عيد النوروز عند الفرس وتأثيره فى المجتمعات العربية

فى كتابه عن تأثير النوروز على المجتمعات العربية، يروى لنا د. رمضان رمضان متولى كيف اتخذ عيد «النوروز» طابعا إسلاميا مناسبا لروح العصر،
وظل محتفظا بتقاليده وعاداته وسننه التى كان يسير عليها الإيرانيون منذ آلاف السنين. ويعد هذا العيد من أشهر الأعياد الفارسية القديمة وأبعدها صيتا وأقواها تأثيرا فى الشعوب الإسلامية (عربية وتركية وفارسية)، الذى أبدعته البيئة الإيرانية منذ عصورها الأسطورية وصبغته بصبغة دينية قديمة، فأصبح عيدا شعبيا اجتماعيا.
لذلك اعتبر هذا العيد عاملا مؤثرا وفعالا ومن عوامل التقاء الشعوب العربية بالأمة الفارسية، ولما جاء الإسلام وتم الفتح العربى لإيران زالت كل الحواجز والسدود بين البلدين، ودخل الفرس فى دين الله أفواجا واشتملت عليهم الجماعة الإسلامية العظيمة التى يسيطر عليها الإسلام ويقوم عليها العرب.

وقد اعتبر المؤرخون عيد «النوروز» بمثابة جامعة جمعت بين الأمتين العربية والفارسية على معان سامية يسودها الوئام والحب والرحمة، ذلك أن الصلات بين العرب والفرس ترجع إلى زمن قديم سابق على الإسلام، أرجعه المؤرخون إلى حالة الجوار التى قاربت بين البلاد العربية والإيرانية، فضلا عن المشاركة فى الحياة الاجتماعية والاقتصادية، مما أدى إلى زيادة الترابط والتعاون بينهما، فكان ذلك دافعا إلى حدوث تأثير متبادل بين الشعوب، سواء فى آدابها أو ثقافتها أو فى تقاليدها وعاداتها، التى من بينها عيد «النوروز» الذى تغلغل فى المعتقد الاجتماعى والموروث الثقافى العربي، مما جعلهم يحرصون على إحياء تقاليده كلما أقبل الربيع وكست خضرته وأزهاره الحدائق والحقول، فيسرعون إلى شواطئ البحار والأنهار وإلى الحدائق، ليجمعهم هذا العيد وتعمهم البهجة والفرحة وتمتلئ قلوبهم بالسعادة والسرور ويحلمون بعام جديد وغد مشرق بالأمل.

ونذهب مع الدكتور رمضان متولى إلى أن «النوروز» الفارسى بتقاليده انتقل إلى مصر فى العهد الفرعوني، كما انتقل إلى الكثير من الدول العربية وأصبح له تأثيره فى الأدب العربى وفى الحياة الاجتماعية، لذلك نجد أن قطاعا كبيرا من علمائنا وأدبائنا كانوا يتخذون من هذا العيد موسما لنشاط أدبى وعلمى يتألقون فيه وتتفتح قرائحهم عن فرائد تعد من روائع الشعر والنثر، وتراثا خالدا لأمة محبة للعلم والأدب.

ويؤكد د. رمضان أن الصلات بين الفرس والعرب قديمة تمتد أصولها إلى أبعد من التاريخ المدون، أى إلى فترة الأساطير، مشيرا إلى أن العرب كانوا أسبق الأمم اتصالا بالفرس، فهم أول من تحدث عنهم الفردوسى فى منظومته الخالدة «الشاهنامه»، وهم أيضا آخر الوجوه التى تقع عليها العين فى ختام تلك الملحمة الكبري، مضيفا أن الرواة كانوا يذهبون إلى القول إن الفرس من أبناء إسحق، فهم أبناء عم العرب، ويذكر بعض الكتاب ومنهم المسعودى فى «مروج الذهب» أن الفرس كانت تأتى مكة وتطوف بالبيت تعظيما لجدها إبراهيم.

وتذكر الشاهنامة قصصا تفيد وجود نسب بين الفرس والعرب، ويشير الكتاب إلى أن إيران تعد مهدا لواحدة من الحضارات القديمة ذات الشأن العظيم، يشهد على ذلك ما بقى من التراث الإيرانى من تماثيل ونقوش ونصوص ونقود يعبر عن هذه المدنية أصدق تعبير.

يضم الكتاب أحد عشر فصلا تنوعت فيها الموضوعات، منها الصلات بين العرب والفرس قبل ظهور الإسلام وبعده، وعيد «النوروز» عند الفرس، ورواية المسعودى والثعالبى والجاحظ والبيرونى وعمر الخيام وغيرهم، عن كيف نشأ عيد «النوروز» وسبب إيجاده، وأيضا عن تقاليد احتفال الفرس بالعيد، وصولا إلى «النوروز» فى إيران فى العصر الحديث.

ثم ينتقل الكاتب إلى «النوروز» فى الشعر الفارسى والشعر فى مصر وفى العصر السلجوقي، ثم «النوروز» فى مصر وكيف جاء؟.. وتقاليده عند القبط فى مصر، وأخيرا «النوروز» فى المجتمعات العربية أدبا وشعرا، مرورا بالعصر الأموى والعباسي.

وعن احتفال الإيرانيين بعيد «النوروز» فى العصر الحديث، يقول الكاتب: «يتم الاحتفال به لمدة 31 يوما تبدأ باليوم الأول من (فروردين) الموافق 21 مارس، وهو أول الربيع، وينتهى باليوم الثالث عشر من هذا الشهر الذى أصبح الآن يطلق عليه «سيزده بدر» بدلا من «النوروز» الكبير، وفيه تعطل إدارات الحكومة ومصالحها رسميا مدة خمسة أيام فقط، أما المدارس والجامعات والمعاهد، فتمنح عطلة لمدة أسبوعين، كذلك كان من العادات القديمة المتبعة فى «النوروز» إيقاد النيران ليلة العيد، أما الآن، فقد حلت الألعاب النارية محل هذا التقليد».

الكتاب: النوروز عند الفرس وتأثيره فى المجتمعات العربية.

المؤلف: الدكتور رمضان رمضان متولي.

الناشر: المجلس الأعلى للثقافة.

الصفحات: 314 صفحة.

Similar Posts