قناطر أسيوط الجديدة .. صرح جديد على نهر النيل

يعد مشروع قناطر أسيوط الجديدة ومحطتها الكهرومائية  أكبر مشروع مائي على نهر النيل في مصر بعد السد العالي ومن المشروعات القومية التي نفذتها الدولة ليخدم مجال الزراعة في 5 محافظات بصعيد مصر.
وعلى مدى 6 سنوات تسابقت أيادي العمال  المصريين  لتبني هذا الصرح العملاق والذى سيكون له مردودا كبيرا خاصة في قطاعي الري والكهرباء بتلك المحافظات وقد جاءاهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسى بهذا المشروع الضخم  تتويجاَ لاهتمام الدولة  الخاص بتنمية محافظات الصعيد وإقامة المشروعات التي تخدم الزراعة والرى لتحقيق التنمية المستدامة بها .  
تاريخ القناطر فى مصر
يحظى نهر النيل فى مصر بالعناية وذلك بإقامة المنشآت المائية على مجراه  وقد ظلت مشكلة التحكم فى سريان النهر وتنظيم تصرفاته الشغل الشاغل للقائمين على إدارة الموارد المائية ضماناً لرى الأراضى الزراعية بصفة دائمة لسكان واديه وفرعيه ورياحاته وترعه الرئيسية الأمر الذى تطلب إنشاء العديد من  القناطر لضبط سريان مياهه والتحكم فى مناسيب المياه أمام هذه القناطر بما يتناسب ومتطلبات رى الأراضى الزراعية.
ويعود تاريخ إنشاءأولى القناطر الكبرى فى مصر إلى عام 1833 فى عهد محمد على وهى القناطر الخيرية الشهيرة  بجانب 7 قناطر قديمة أخرى وهى : قناطر الدلتا  قناطر أسيوط  قناطر ديروط  نجع حمادى  إسنا  إدفينا  وزفتى .
وفى العصر الحديث تمتلك مصر 12 قنطرة على النيل وفرعيه بـ 7 مواقع و19 قنطرة فم كبرى تتغذى مباشرة من النيل و45 قنطرة حجز كبرى على الرياحات والترع الرئيسية و أهم 10 قناطر تم إنشاؤها طبقا للتطور التاريخي بدءا من عام 1983 وحتى مشروع إنشاء قنطرة فم الرياح العباسي الجديدة عام 2008 كالتالى : قنطرة فم هويس ترعة الإسماعيلية الجديدة أنشئت عام 1983  سد ومفيض وهويس دمياط الجديد عام 1989  هويس نجع حمادي الجديد 1993  قناطر إسنا الجديدة ومحطتها الكهرومائية 1994  قنطرة شبراباص الجديدة 1995  قنطرة فم وهويس الرياح المنوفي الجديدة 2007   أما عام 2008 تم انشاء عدد من القناطر والأهوسة على النحو التالى : قناطر نجع حمادي الجديدة ومحطتها الكهرومائية  و هويس إسنا الإضافي  قنطرة فم وهويس الرياح التوفيقي الجديدة  قنطرة فم الرياح العباسي الجديدة بجانب إنشاء قنطرة جديدة بالباجور المنوفية عام 2016 . 
بداية مشروع قناطر أسيوط الجديدة
مع بدايات عام  2008  بدأت أعمال دراسات الجدوى لمشروع قناطر أسيوط الجديدة ثم أعمال الدراسات البيئية وتم وضع حجر أساس المشروع  عام 2012 على نهر النيل على بعد نحو 400 متر خلف القناطر الحالية وقد صنعت قناطر أسيوط الجديدة حدثًا فريدًا في يونيو من عام 2017 بتحويل مجرى النيل الرئيسي وإعادته لطبيعته الأولى بعد غمر المشروع بالمياه  ويعد هذا التحويل الثالث الذي تشهده مصر فالمرة الأولى كانت أثناء بناء السد العالي والثانية بإنشاء قناطر نجع حمادي الجديدة والثالثة في مشروع قناطر أسيوط الجديدة.
تمويل  وتكلفة المشروع
تم تمويل المشروع عن طريق اتجاهين الأول باستثمارات محلية من خلال بنك الاستثمار القومي بمبلغ  قدره مليار و100 مليون جنيه من استثمارات وزارة الري بالإضافة إلى 44 مليون جنيه من استثمارات من وزارة الكهرباء والطاقة .
 والاتجاه الثاني – من خلال المكون الأجنبي عن طريق اتفاقية تعاون بين الحكومتين المصرية والألمانية ممثلة في بنك التعمير الألماني “KSW ” من خلال قرض بمبلغ 296 مليون يورو لتغطية أعمال المشروع وقرض آخر بقيمة 14.8 مليون يورو من حصة وزارة الري من اتفاقية مبادلة الديون بين الحكومتين المصرية والألمانية  فضلًا عن منحة قدرها 2.3 مليون يورو للدراسات البيئية.
وبلغ إجمالى تكلفة المشروع بتاريخ توقيع التعاقد الذى تم فى ديسمبر 2011  مبلغ 4 مليارات جنيه مصرى وبعد تحرير سعر الصرف تصل تكلفة المشروع إلى أكثر من 6 مليارات جنيه مصرى  وهو يوفر 10 مليارات متر مكعب من المياه المهدرة .  
مراحل تنفيذ المشروع
في ضوء تهالك قناطر أسيوط القديمة التي مر على إنشائها 115 عامًا فقد أصبحت لا تستطيع بتصميمها القديم مواجهة احتياجات الدولة الحالية  لذلك تم التفكير في إنشاء قناطر أسيوط الجديدة لتحل محل عمل القنطرة القديمة و بدأ العمل في تنفيذها في 2 مايو 2012 لتبدأ الأعمال المدنية والهيدروميكانيكية على قدم وساق حيث  بدأت  أعمال هدم واستقطاع جزء من قناطر أسيوط القديمة في منطقة مسار المجرى الملاحي أمام الأهوسة الملاحية الجديدة  فضلا عن أعمال قطع وإزالة السد الدائري المؤقت والحفر لأعمال الحمايات بالقاع بالكامل خلف القناطر الجديدة وأعمال الحمايات علي الميل الأيمن لجزيرة بنى مر وأعمال التركيبات الخاصة برصيف رسو السفن بالبر الأيمن بالخلف والأمام إضافة إلى رفع بوابات القناطر القديمة وإزالة البغال من منسوب (84- 94) وحتى منسوب (45.00) .
كما تم  صب الخرسانة المسلحة للوصلة بين الأهوسة الملاحية الجديدة والقناطر القديمة وصب نفق الكابلات علي محور (1) و الواصل حتي حوش المفاتيح إلى جانب نهو أعمال الخرسانة المسلحة بأسقف المبنى الإدارى وأعمال المباني بالأدوار المختلفة وكذلك تم صب الخرسانة العادية والمسلحة للمسجد ونهو الأعمال لبوابات الأهوسة بالأمام والخلف وبوابات الأنفاق وأنظمة تأمين السفن بالإضافة إلى إنهاء جميع الاختبارات الجافة  لجميع البوابات والملحقات والانتهاء من عمل اختبارات التشغيل لحاجز السفن للهويس وعمل الاختبارات النهائية لحاجز السفن بالهويس و ضبط نهاية المشاوير لوحدة الرفع الرئيسية بالونش القنطري وعمل اختبارات الضغط  للأوناش القنطرية بالأهوسة الملاحية وإلى إجراء اختبارات تشغيل بوابتي الهويس بالأمام وعلب التجفيف أمام بوابتي الهويسين بالأمام وبوابات الأنفاق بالأمام وبوابة الصيانة الخاصة بالأنفاق في الخلف بالهويسين وبوابة النفق بالهويس رقم 1 بالخلف وبوابة النفق بالهويس رقم 2 بالخلف وبوابات الصيانة أمام الهويسين بالخلف ويتم العمل بنظام “SCADA “؛ لربط منظومة التحكم الخاصة بالأهوسة والمفيضات بالمبنى الإداري وذلك تحت إشراف الهيئة العامة للنقل النهري؛ لفتح الأهوسة الجديدة أمام حركة الملاحة النهرية والسماح بمرور جميع الوحدات النهرية طيلة العام دون توقف.
  
الشكل المتطور للمشروع
يتضمن مشروع القناطر الجديدة مفيضاً لإمرار التصرفات المائية اللازمة من خلال 5 فتحات عرض الواحدة منها 17 مترا وهويسين ملاحيين من الدرجة الأولي لإمرار الملاحة النهرية بعرض 17 مترا وبطول 156 مترا وغاطس ملاحي لا يقل عن 3 أمتار يسمح بمرور كافة الوحدات الملاحية طوال العام  ضمن خطة الدولة لتطوير الملاحة النهرية من أسوان حتى البحر المتوسط وعلى الصعيد الإقليمى من بحيرة فيكتوريا حتى البحر المتوسط .
 ومن أهم أجزاء المشروع كوبرى علوى فوق القناطر الجديدة  مكون من 4 حارات حمولة 70 طن يربط الشرق بالغرب  و يربط ضفتي النيل الشرقي والغربي ويضفي سيولة مرورية لمدينة أسيوط  
و توجد بالقناطر أيضا  8 فتحات عرض 17 متر مزودة ببوابات نصف قطرية والفتحات موزعة 3 على الناحية اليمنى لمحطة الكهرباء و5 على الناحية اليسرى.
محطة الطاقة الكهرومائية
يشتمل المشروع علي إنشاء محطة لتوليد طاقة كهرومائية نظيفة (صديقة للبيئة) وتتميز بطول عمرها الإفتراضى وانخفاض تكاليف التشغيل والصيانة مقارنة بمحطات الكهرباء الأخرى وهى مكونة من 4 توربينات من النوع الأنبوبي وتنتج كهرباء 32 ميجاوات حيث أن كل توربينه تنتج 8 ميجاوات وتوفر نحو 50 ألف طن من الوقود تبلغ قيمته 100 مليون جنيه سنويا وتساهم فى تقليل الإنبعاثات من ثانى أكسيد الكربون.
تم ربط إنتاج محطة أسيوط الكهرومائية مع محطة محولات المعصرة بمركز الفتح وربطها على الشبكة القومية لتستطيع إنارة محافظة أسيوط بالكامل فى حالة وجود أعطال كهرباء ومن بين مشتملات المشروع تم تدعيم قنطرة فم ترعة الإبراهيمية وإعادة تأهيلها بالإضافة إلى تغيير البوابات ببوابات حديثة تعمل بنظام هيدروليكى للفتح والقفل والجزء المتبقى من نهر النيل والتابع للمشروع  عبارة عن سد مصمت يقفل الجزء المتبقى من النهر بطول حوالى 350 مترا.
 
أهداف المشروع
يهدف المشروع  في المقام الأول إلى تحسين حالة الري بإقليم مصر الوسطى في 5 محافظات هي (الجيزة – الفيوم – بني سويف – المنيا – أسيوط)؛ لخدمة مليون و650 ألف فدان أي ما يعادل نحو 20% من المساحة المنزرعة بمصر كذلك تحسين الملاحة النهرية بنهر النيل باستخدام منظومة تحكم على أحدث النظم العالمية؛ للتحكم في التصرفات والمناسيب فضلًا عن إنشاء محطة لإنتاج الكهرباء النظيفة ويهدف المشروع أيضا إلى خلق محور مروري جديد بأسيوط مما يسهم في نقلة حضارية وبيئية لأبناء المحافظة من خلال صياغة مساحة تربو على 23 فدانا كأحد مكتسبات المشروع لتكون متنفسا جمالياً وسياحياً للمدينة بالإضافة إلى مردودها الاقتصادي بجانب توفير فرص عمل لمختلف القطاعات لتصل لأكثر من 3 ألاف فرصة يومية  بجانب حوالي ألف مهندس وعامل وفني يعملون بشكل ثابت .   
قناطر أسيوط القديمة
يرجع إنشاء القناطر القديمة  إلى عام 1898 وتم الانتهاء منها ودخولها الخدمة فعليًا في عام 1902 وقد بدأ ظهور مشكلات بين عامى 1992 – 1993  في “فروشات” و”بغال” قناطر أسيوط القديمة و ذلك يعد أمرا طبيعيًا نظرًا لأن الخامات التي تم استخدامها لإنشائها في حينها كانت عبارة عن “الحجارة” و”الدبش” ولم يكن يُعرف وقت بنائها استخدام حديد التسليح.
وبدأ تنفيذ أعمال صيانة للقناطر  القديمة لتحسين كفاءتها وإعادة تأهيلها في عام 1938؛ لزيادة قوة تحمل اندفاع المياه ومع الوقت استلزم الأمر تجديد عدد من القناطر مثل إسنا ونجع حمادي بين عام 1990 وحتى عام 2008 ويذكر أن القناطر القديمة تبعد عن الجديدة نحو 400 متر وتتكون من 111 فتحة كل فتحة عرضها 5 أمتار ويوجد بين كل فتحة والأخرى حائط رئيسي بعرض مترين ومن أعمال التطوير الحديثة  تم تدعيم القنطرة بتوسيع الكوبري من 5 أمتار إلى 8 أمتار وهو الوضع الحالي كما تم تكسير 20 فتحة من القناطر القديمة من إجمالي 111 فتحة  للسماح بعمل مسار ملاحي جديد شرق النيل وستبقى القناطر القديمة كأثر بالمحافظة.
ملتقى سلسبيل الثالث
من أجل توثيق هذا المشروع الوطنى الكبير اجتمع كبار الفنانين بمختلف مدارسهم الفنية  مع بداية شهر يوليو 2018  وقاموا بتجسيد ملحمة العطاء التي قام بها أبناء وزارة الموارد المائية على مدى 6 سنوات لإنشاء هذا المشروع القومى فى ملتقى تحت عنوان ” ملتقى سلسبيل الثالث ”  وجسدت هذه التظاهرة الفنية فى شكل أعمال فنية وإبداعية ضخمة شارك فيها كبار فنانى مصر تعبيرا عن أهمية نهر النيل ومن المقرر عرض جميع الأعمال الفنية والإبداعية بالمبنى الرئيسى لمشروع قناطر أسيوط كنواة للمتحف الدائم لهذا المشروع الوطنى الكبير.
فى النهاية سيقف  مشروع قناطر أسيوط الجديدة على مجرى نهر النيل بحجم لا تخطئه عين  لتضمه وزارة الموارد المائية والري لمجموعة إنجازاتها بعد سنوات من العمل الدؤوباستطاعت فيها تقديم نموذجا فريداً للعمل والعطاء من أجل مصر المستقبل .
 

Similar Posts