كيف ننمي حب التعاون لدى أبنائنا؟

يعتبر التعاون بين الطفل ووالديه في مرحلة الطفولة المبكرة من الحاجات الضرورية التي يشعر الطفل برغبة في ممارستها، ويؤكد الاختصاصيون أن تنمية تلك الحاجة عنده في سن مبكرة، تجعله يداوم على القيام بها في مراحل أخرى من عمره.
ويعدّ تدريب الأطفال الصغار على المشاركة في الأعمال الجماعية سواء نشطات أو ألعاب أو أعمال تطوعية عاملاً هاماً لتنمية مهاراتهم الاجتماعية وإكسابهم قيماً إيجابية كالتعاون والمشاركة وتقبّل الآخر وتقديم مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد، كما تخلّصهم من سلوكيات مستهجنة كالأنانية وحب الذات.فلا بد أن يتم ترسيخ مبدأ التعاون في الحياة لدى الأطفال أثناء التربية، فهو من أهم ما يجب أن يتعلمه الطفل في حياته، وبغير ذلك سيكون الطفل في عزلة عن المجتمع، ويتصف بعدم التعاون مع أفراده.ويبين أخصائي الصحة النفسية الدكتور عمار التميمي أن: «التعاون أوالمشاركة الإجتماعية وبنائها في شخصية الطفل تقع في الدرجة الأولى على عاتق الأب والأم، فالأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى في حياة الطفل وبالتالي يقع عليها عاتق تعزيز وترسيخ القيم الإجتماعية المحمودة ومنها التعاون والمشاركة الوجدانية والإجتماعية مع الآخرين».وأضاف التميمي: «وهذا يتم من خلال التعلم بالقدوة أو النموذج فالطفل الذي يشاهد أباه أو أمه يقدمون سلوك التعاون أو المشاركة في مساعدة الآخرين بالضرورة سيقلدهم، فهنا يقع على عاتق الوالدين تعزيز مثل هذه السلوكيات التي تحوي المشاركة، عدا عن كيفية تفاعل وتعامل الطفل مع الأكبر منه سناً واحترامهم سواء المقربين منه أو الغرباء وكيفية مصافحتهم، حتى إذا قدم شخص كبير في السن يجب أن يتعلم الطفل كيفية احترامه ومصافحته، من خلال تعزيز أساليب وأدبيات الجلوس والطعام وإفشاء السلام أي القيم المتعارف عليها في مجتمعاتنا الإسلامية العربية».ويرى التميمي أن: «سلوك التعاون والمشاركة يتم تعزيزه وتعميمه ليس فقط داخل البيت بل أيضاً خارجه، فبالتأكيد المدرسة لها دور كبير في تعزيز هذه السلوكيات من خلال تعريض الطفل للأنشطة اللاصفية التي تحث على المشاركة ومساعدة الضعفاء والمحتاجين، والأنشطة الجماعية التي تتطلب مثلاً تنظيف الصفوف وترتيب الأدراج وإزالة القمامة من الساحة المدرسية، وإماطة الأذى عن الطريق، وعدم إلقاء الأشياء من النوافذ ووضعها في مكانها المخصص».ويضيف التميمي أن: «هذه السلوكيات يتم تعزيزها من قبل الأب والأم والمدرسين، وتعطي شعوراً للطفل بأني موجود والآخر أيضاً موجود، وتجعله يدرك معنى المشاركة الإجتماعية، وتخلق لديه حس المبادرة وتقلل من الأنانية والفردية عند الأطفال، وتعزز لديهم المبادرة الذاتية فنحن نخلق لدى الطفل الدافع الذاتي، وهذا أيضاً يعتمد على المدرسة كم تقدم من أنشطة لا صفية، عدا عن القيام بزيارات لمؤسسات و دور الرعاية والإحتياجات الخاصة ودور المسنين والمرضى وكيف نقدم المساعدة والهدايا للمحتاجين والضعفاء وكل هذه السلوكيات يتم نمذجتها من الأب والأم وتعزز لدى الطفل روح المشاركة والتعاون».أما تعزيز هذه القيم عند الطفل يقع على عاتق المنزل بالدرجة الأولى والمدرسة و يوضح التميمي قائلا: «إن تعزيز الطفل يعتمد على المرحلة العمرية التي يمر بها الطفل، فنحن نبدأ بهذا السلوك من عمر السنتين ولكن الوسيلة تختلف عن الأطفال الأكبر سناً، فمن الممكن استخدام النماذج والصور التي تبعث على السلوكيات والآداب الحسنة مثل التواصل وإفشاء السلام، وآداب الطعام، ومساعدة الجار وعدم ايذائه، ومساعدة الفقراء، هذه الصور تبقى عالقة في ذهن الطفل، حتى عندما يكبر الطفل من خلال التلقين اللفظي ومن خلال ممارسة السلوك أمامه عندما يرى والده يقوم بمساعدة شخص مسن مثلاً أو شخص ضرير في قطع الشارع فيعلم أن هذا السلوك إيجابي وسيعزز عليه».ويضيف التميمي: «وفي حال صدور أي سلوك يظهر للطفل أنه سلوك فردي أو أناني يتم توجيه الطفل أن هذا الشيء لا يجوز و عليه مساعدة الآخرين والنظر اليهم بشكل إيجابي، لأن هؤلاء الأشخاص قد ينقصهم شيء مثل عجز مادي أو جسمي أو عقلي فيجب أن ننظر اليهم بنظرة انسانية لتحقيق مبدأ العدالة والمساواة وبالإضافة إلى تعزيز روح التعاون والمشاركة الإجتماعية لدى الجميع».وتبين التربوية المتخصصة في مجال الإرشاد والصحة النفسية نجوى حرز الله أن: «القيم الأخلاقية مهمة في حياتنا وحياة أطفالنا ومن هذه القيم قيمة التعاون، وهذه القيمة يتعلمها الطفل من خلال النمذجة والتقليد من الأهل والمدرسة والأصدقاء، والتي تعلم الطفل حب الخير للآخرين والعمل بروح الفريق، فالتعاون شكل من أشكال المساعدة التي يقدمها الناس لبعضهم لهدف معين، وكلما أعطى الأهل قيمة للتعاون كلما تشكل عند الطفل حب الإيثار والعطاء والمساعدة».وعن أشكال التعاون تقول حرز الله: «تقديم المساعدة للوالدين من تلبية المطالب بطريقة التعاون وليس الأمر وعليه التعاون في ترتيب أغراضه وغرفته وهذا الأمر يتم منذ الصغر عندما يشاهد الطفل سلوك والديه في تعاونهم مع بعضهم البعض، ومن الأشكال الأخرى تقديم المساعدة لكبار السن الذين يتعامل معهم مثل الجد والجدة وعليه أن يعرض عليهم المساعدة وما يرغبون به، وعلى الطفل أن يتعاون مع أصدقائه سواء باللعب أو الدراسة وهذا العمل يتم تحت إشراف المدرسة التي تنظم هذا العمل لتشجيع الأطفال على العمل الجماعي وبالتالي تكوين صداقات وعلاقات إجتماعية منذ الصغر فهي تساعده على الإندماج في الحياة، والمساعدة أيضاً تظهر في تقديم النصح لمن يحتاجها من الأصدقاء ومساعدتهم في حل مشكلاتهم التي يواجهونها».وترى حرز الله أن على الأهل القيام بالعديد من الأمور وتبين منها: «لتعويد الطفل على المشاركة والتعاون وترسيخ هذه القيمة لديه على الأهل مثلاً القيام بوضع شيء ثقيل وأمر الطفل بحمله، وعندما يعجز يجب أن يتعاون الجميع في حمله وعندما يقومون بهذا الشيء يجب تعزيز هذا السلوك وتوضيح أهمية التعاون، وبأن الشخص لوحده أحيانا لا يستطيع أن ينجز العمل ويحتاج مساعدة الآخرين، وعلينا تعليم الطفل أن يعرض المساعدة دوماً على الآخرين ليعطي إنطباع بأنه يحب المساعدة ويتعاون مع الآخرين وفي جميع المناسبات، فإذا أردنا أن يكون أطفالنا محبين للخير ومعطائين ومبادرين لتقديم المساعدة للصغير والكبير والفقير والمحتاج علينا أن نعلمهم قيمة التعاون التي تجعله بصحة نفسية جيدة بعيد عن التوتر والأنانية عند تعامله مع الآخرين أو عندما يواجه مشكلة ما».

Similar Posts