لماذا انهارت مبيعات هواتف سوني؟ وما هو مستقبل هذه الشركة العريقة

عندما بدأت الهواتف المحمولة ذات الشاشات الملونة والمواصفات التي تتجاوز الاتصالات والرسائل النصية فقط، كان هناك شركتان أساسيتان تسيطران على السوق في المنطقة العربية وفي أوروبا كذلك: الأولى هي نوكيا طبعاً، بينما الثانية هي سوني إريكسون (قبل أن تصبح سوني فقط). في حينها لم يكن هناك العديد من الخيارات للهواتف حقاً، وكانت هواتف سوني مزدهرة للغاية. لكن في عالم اليوم بات الأمر قصة مختلفة حيث من النادر أن تشاهد هاتفاً من صنع سوني أبداً.
حالياً وفي حال نظرت إلى حصص المبيعات الخاصة بشركات الهواتف، ستلاحظ أن هناك بعض الأسماء القديمة المألوفة مثل Samsung وApple والعديد من الشركات الصينية حديثة العهد، لكنك لن تجد اسم سوني أبداً، حيث أن قطاع هواتف الشركة بدأ بالانهيار منذ سنوات، ويبدو أن مبيعاته مستمرة بالانحدار إلى مستويات أدنى وأدنى بمرور الوقت.
ففي عام 2018 الماضي، لم تتجاوز مبيعات الشركة بأكملها 9 ملايين هاتف. للمقارنة فقد باع هاتف Galaxy S9 نفس هذا العدد خلال الربع الأول من إطلاقه وهو موديل واحد بين عشرات موديلات سامسونج.
لماذا مبيعات هواتف سوني سيئة للغاية اليوم؟
بالطبع وكما أي شركة أو منتج آخر، لا يمكن الحديث عن تراجع مبيعات هواتف سوني وكأنه ناجم عن سبب واحد فقط. بل في الواقع هناك عدة أسباب مختلفة تعمل معاً وتقود إلى هذه النتيجة. ومع كون معرفة السبب الحقيقي لتراجع مبيعات الشركة أمراً صعباً، فالأسباب التي نقدمها تعتمد على التحليل وبعض التخمين بالدرجة الأولى.
أسعار هواتف سوني لم تكن منافسة أبداً

عند التفكير بالسعر المرتفع للهواتف، فأول ما يخطر بالبال عادة هو هواتف ايفون من Apple. لكن على عكس حالة Apple التي تقدم هواتف الفئة العليا فقط، فقد عانت سوني من أسعار أعلى نسبياً في قاع الهواتف المتوسطة والرخيصة. حيث أن هواتفها من هذه الفئات أغلى من نظيرتها من شركة سامسونج الكورية مثلاً، وكانت بالطبع أغلى بكثير من هواتف الشركات الصينية العديدة في هذه الفئات.
بالطبع فالسعر المرتفع ليس دائماً مبرراً لتراجع المبيعات. فقد تمكنت شركة Apple من تحقيق مبيعات عظمى على الرغم من أسعارها المختلفة. لكن الفرق هنا هو الفئة المستهدفة للهواتف، فبينما من الممكن للأسعار المرتفعة أن تكون مقبولة للغاية في هواتف الفئة العليا، فالأمر مختلف تماماً في الفئتين المتوسطة والدنيا، حيث يكون توفير المال أولوية أساسية للمستخدمين.
ببساطة وفي الفئات الدنيا والمتوسطة لا يوجد ولاء لأي علامة تجارية لدى المستخدمين. بل أنهم يشترون الهواتف الأرخص مقابل مواصفاتها، وفي هذا المجال لم تكن سوني تمتلك أية فرصة حقيقية، وبمرور الوقت سحب البساط من تحتها من قبل المنافسين وبالأخص مع صعود كل من شركتي شاومي وهواوي إلى الواجهة.
خلال فترة من الفترات، كانت هواتف سوني مميزة حقاً عن البقية من حيث تقديم الميزات. حيث أن الشركة قدمت مقاومة الماء والسماعة المزدوجة في هواتفها قبل الجميع تقريباً، كما أن تصميمها القديم الزجاجي كان سابقاً لأوانه في الواقع وجعل هواتف سوني حينها تبدو أجمل بمراحل من الهواتف المنافسة. لكن للأسف فقد رحلت أيام التميز تلك منذ سنوات، واليوم باتت هواتف سوني من الفئة العليا خلف المنافسين في تقديم الميزات، وحتى عندما تلحق بهم وتحاول محاكاة ما فعلوا فالنتائج مخيبة للأمل عموماً.
اليوم بات من الممكن ملاحظة كون هواتف سوني خلف المنافسين بالنظر إلى بعض الأمور البسيطة. فالشركة قد تأخرت في تقديم الكاميرا المزدوجة حتى عام 2018 مثلاً، كما أنها لا تزال حتى اليوم تعتمد شاشات IPS LCD، وعلى الرغم من جودة هذه الشاشات فهي لا تقارن أبداً بشاشات OLED في الهواتف المنافسة. وحتى من ناحية التصميم مثلاً، فهواتف سوني لا تزال تتغنى بالحواف العريضة للشاشة في وقت باتت فيه الهواتف المنافسة عديمة الحواف تقريباً.
حالياً لا تزال الشركة ساعية لتقديم ميزات جديدة في هواتفها، فهي مثلاً أول من قدم تصوير الفيديو البطيء للغاية، كما أن نظامها الصوتي للهواتف هو من الأفضل دون شك. لكن بالنسبة لمعظم المستخدمين لا تعد هذه الميزات كافية حقاً للشراء، حيث أن الفجوة لا تزال موجودة بقوة من حيث حجم وتقنية الشاشة والحواف الخاصة بها، وحتى بعض الأمور الثانوية مثل الشحن اللاسلكي الذي أصبح أكثر أهمية مؤخرا.
إهمال السوق الأمريكية الأهم في العالم

اليوم ربما لا تكون السوق الأمريكية هي الأكبر في العالم من حيث الهواتف المباعة، لكنها لا تزال الأهم عالمياً كونها عادة ما تتضمن مبيعات بأسعار أعلى من أي مكان آخر لذا في مهمة جداً للكثير من الشركات. وعلى عكس كل من Apple وSamsung التان تهيمنان في الولايات المتحدة وتسعيان دائماً للتمدد والاستفادة من الثروة الأمريكية، فقد أهملت سوني السوق الأمريكية منذ سنوات في الواقع، ومع انهيارها في الولايات المتحدة تضررت مبيعاتها في باقي الأماكن كذلك.
الناحية الأولى لإهمال سوني للسوق الأمريكية هي عدم القيام بعقود شراكة كافية هناك. حيث أن معظم الأمريكيين يشترون هواتفهم عن طريق عقود مع شركات الاتصالات ويسددون ثمنها بالتقسيط. لذا فعدم وجود هاتفك في متاجر شركات الاتصالات يعني أن قاعدة المستخدمين المحتملين ستكون أصغر بكثير من الشركات الأخرى ببساطة.
الناحية الأخرى والأكثر غرابة ربما، هي أن سوني كانت طوال الأعوام الماضية تقدم هواتفها في السوق الأمريكية دون حساس بصمة. حيث كان هناك خلاف براءات اختراع يمنعها من استخدام حساس البصمة على جانب الهاتف (بدلاً من الأمام أو الخلف) هناك، وبدلاً من أن تصمم إصداراً خاصاً من هواتفها للولايات المتحدة أو أن تغير مكان حساس البصمة، فقد قامت الشركة ببيع هواتفها في أمريكا مع حساس بصمة معطل لا يمكن تشغيله. وأي مستخدم يعرف الفرق بين فتح القفل باستخدام حساس بصمة ورمز حماية سيدرك مقدار خطأ تصرف كهذا.
واجهة نظام هواتف سوني لم تكن جذابة ومميزة كفاية
عند الحديث عن واجهات هواتف أندرويد عموماً، عادة ما يكرر المهووسون بالتقنية القول بأن النظام الخام هو الشكل الأفضل لنظام أندرويد. فهو خالٍ من البرامج الإضافية المزعجة، كما أنه “سلس” في التعامل أكثر من الواجهات المخصصة. لكن بغض النظر عن إعجابك بالواجهة الخام من عدمه، فالواقع هو أن الواجهة الخام مملة ببساطة، وبغض النظر عن عيوب الواجهات المخصصة لسامسونج وهواوي وشاومي، فهي تترك انطباعاً لدى المستخدم وتبقى ضمن تفكيره عند قرار شراء الهاتف القادم.
بالمقابل، هواتف سوني الحالية تمتلك واجهات شبه مطابقة لتلك التي تقدمها Google في الإصدار الخام من النظام، كما أنها مشابهة للغاية لواجهات HTC وMotorola وNokia الأخيرة. هذا الأمر قد يكون إيجابياً للبعض فقط، لكن معظم المستخدمين العاديين يرون هذه الواجهات مملة للغاية، كما أنها متشابهة كفاية بحيث لا تعلق بالذاكرة ولا تصنع أي ولاء للعلامة التجارية للهاتف.
أزمات في إدارة شركة سوني وقسم الهواتف فيها
في حال نظرنا إلى هواتف سوني وحدها، فنحن نفوت على نفسنا الكثير من الأمور المهمة. حيث أن شركة سوني الأم تتضمن العديد من الأقسام والفروع المختلفة، وبينما لا تزال أقسام مثل الخدمات المصرفية وحتى مشغلات الألعاب تنجح بشكل كبير وتجلب المزيد من الأرباح، فالعديد من أقسام الشركة تحتضر ببطء على ما يبدو. حيث أن أقسام الهواتف وحتى أقسام الإنتاج الموسيقي والسينمائي للشركة في وضع حرج حالياً.
هنا ربما يجب أن نتذكر أمراً مهماً للغاية، الشركات تهدف للربح بالدرجة الأولى، وبينما شركات الهواتف لا تمتلك خياراً سوى القتال إلى آخر لحظة لتستمر، فالشركات متعددة المجالات كما سوني تتصرف بشكل مختلف، فالشركة الأم قد تكون أفضل حالاً بالتخلي عن أجزائها غير المفيدة، أو على الأقل فهي تحد من مصاريفها ضمن هذه الأقسام.
هنا يظهر كون هواتف سوني واقعة ضمن دوامة تسير للأسفل كما يبدو. حيث أن تراجع المبيعات يعني أرباحاً أقل وتمويلاً أدنى من الشركة الأم (التي لا تريد خسارة المال على مشاريع تفشل). وعندما ينخفض التمويل لا تستطيع الشركة العمل بجد على تطوير منتجاتها وجعلها منافسة مما يضعها خلف المنافسين ويؤدي إلى مبيعات أقل وأرباح أقل لتعاد الدورة من جديد مرة بعد مرة.
اقرأ المزيد: لماذا انهارت شركة نوكيا وفقدت سيطرتها على قطاع الهواتف؟
ما هو مستقبل هواتف سوني؟ وهل وصلنا إلى النهاية؟

في الواقع من الصعب التنبؤ حقاً بمصير قطاع الهواتف في شركة سوني حقاً، فالأمور قد تسير بعدة اتجاهات مختلفة. حيث أن احتمال قيام الشركة بحملة كبرى تفاجئنا بهواتف مميزة ومبيعات كبرى تعيدها للواجهة، لكن هكذا احتمال لا يزال صغيراً نسبياً للأسف. بالمقابل يبدو أن المصير الأرجح للشركة هو أحد ثلاثة خيارات فقط:

إما أن سوني ستيأس من خساراتها المتتالية وتتوقف عن صنع الهواتف الذكية وبيعها بشكل نهائي.
أو أن الشركة ستستمر بإصدار الهواتف ولو أنها خاسرة كونها طريقة لاستعراض منتجات الشركة الأخرى مثل الشاشات والكاميرات.
أو أن الشركة ستتخلى عن قسم الهواتف ضمنها وتبيعه لشركة أخرى ليعمل بشكل مستقل عنها تماماً كما فعلت في الماضي مع قطاع الحواسيب المحمولة: VAIO.

بالطبع لا يمكن الجزم بمصير الشركة حقاً، لكن الأرجح أننا سنرى واحداً من هذه الخيارات في المستقبل. حيث أن سوني التي كانت من كبار الابتكار التقني في الماضي لم تعد هي نفسها سوني اليوم.

Similar Posts