ما هي الخوادم البحرية، ولماذا تتطلع بعض الشركات التقنية لاستخدامها مستقبلاً؟

في حال كنت تتابع الأخبار التقنية خلال السنوات الأخيرة، فالأرجح أن العناوين التي تتحدث عن الشركات التي تضع خوادمها في المحيطات قد مرت أمامك مرة أو أكثر. حيث أن السنوات الأخيرة تضمنت اتجاهاً كبيراً للشركات الكبرى في التخزين السحابي نحو الخوادم التي تغوص في مياه المحيطات بدلاً من أن تبنى على اليابسة. حيث أن كلاً من Microsoft وAmazon وGoogle على الأقل تخطط لإنشاء خوادم بحرية اليوم، وMicrosoft بدأت بوضع خوادمها تحت الماء منذ الآن.
بالنسبة للمتابع العادي للتقنية قد يبدو هذا التصرف غريباً نوعاً ما. فالخوادم عادة ما تبنى على اليابسة بدلاً من وضعها مقابل شواطئ المدن. لكن وعلى الرغم من أن الخوادم البحرية الجديدة قد تظهر غريبة للغاية فهي تمتلك ميزات تجعلها مرغوبة للشركات الكبرى في الواقع.
ما هي الفوائد التي تحصدها الشركات من بناء خوادم بحرية؟

مايكروسوفت هي الرائدة في مجال الخوادم البحرية اليوم

بالطبع وكون الخوادم البحرية اليوم تستخدم من قبل شركات كبرى في المجال، فلا بد من وجود نواحٍ إيجابية كبرى للأمر. فهذه الشركات الكبرى لم تصل لتكون في وضعها الحالي باتخاذ قرارات غير مدروسة جيداً. والواقع هو أن الخوادم البحرية تبدو مثيرة للاهتمام نظراً لعدة أسباب أساسية مثل التالي:
 
التبريد أفضل وأرخص وأكثر فاعلية تحت الماء

حتى بالنسبة للحواسيب المكتبية بات التبريد بالسوائل مفضلاً على التبريد الهوائي، وفي الخوادم الأمر أهم حتى بالطبع

عند بناء حاسوب مكتبي عادي مع أداء مرتفع سيكون من الواضح لأي مستخدم أن هكذا جهاز ينتج الكثير من الحرارة. وبالطبع فالحرارة المرتفعة تعني خنقاً للأداء أو حتى تلفاً للأجزاء التي عادة ما تعمل بالشكل الأفضل في درجات الحرارة المتوسطة والمنخفضة. ومع كون الخوادم هي مجموعات من الحواسيب من حيث المبدأ، فالتبريد هو واحدة من النقاط المهمة لعملها.
بالطبع فالتبريد الهوائي ليس فكرة جيدة في حالة الخوادم، حيث أن الهواء يمتلك سعة حرارية منخفضة (أي أنه يسخن بسرعة دون امتصاص الكثير من الحرارة) على عكس الماء الذي يمتلك سعة حرارية مرتفعة للغاية. لكن استخدام التبريد المائي يعني أن “حقول الخوادم” تحتاج للتخلص بشكل دائم من المياه الساخنة التي تنتجها. وفي بعض الحالات بدأت بعض الخوادم الموجودة في أماكن سكنية ببيع خدمات الماء الساخن للأبنية القريبة لتحقيق منفعة متبادلة.
على العموم، في حال وضعت الخادم كما هو تحت الماء، فالمبادلة الحرارية هنا فعالة أكثر بكثير في الواقع (بالأخص على أعماق تتخطى 200 متر حيث الماء بارد دائماً حتى في المناطق الاستوائية). وبدلاً من كو الحرارة تذهب إلى كمية من الماء الذي يحتاج إلى التبريد، فالخوادم المائية تمتلك المحيط بأكمله ليمتص حرارتها الخارجة، وبالتالي تبقى هذه الخوادم باردة بأقل جهد وتكلفة واستهلاك للطاقة حتى.
اقرأ المزيد: كيف تحمي الحاسوب المحمول من مشاكل ارتفاع الحرارة
الخوادم المائية لا تحتاج لشراء (أو استئجار) مساحات باهظة من الأرض أو المباني لتضمينها

البناء لوضع الخوادم ليس أمراً بسيطاً وبالتأكيد ليس رخيصاً

بالطريقة التقليدية عادة ما تقوم الشركات بشراء مساحات من الأراضي أو مباني لوضع المخدمات فيها. ومع أن الأمر يكون قليل التكلفة في بعض الحالات. فالتعامل مع الأماكن المدنية الكبرى حيث أسعار العقارات باهظة للغاية أو أنه لا توجد عقارات مناسبة متاحة يعني أن الشركات عادة ما تواجه مشاكل حقيقية وتكاليف كبيرة للغاية للتعامل مع المدن الكبرى والأماكن المكتظة. لكن عند التعامل مع الخوادم البحرية فالأمر مختلف تماماً.
على عكس اليابسة، فالبحر لا يباع ويشترى في الواقع، بل أنه إما مياه إقليمية للبلدان (تتحكم بها الحكومات) أو مياه دولية حيث لا سلطة أو حقوق ملك لأحد تطبق هناك. لذا وفي الواقع من الممكن أن توفر الشركات الكثير من المال المخصص للمساحات والأبنية بالاعتماد على وضع الخوادم في البحر قبالة سواحل البلدان. ومع كون نسبة كبيرة من المدن حول العالم ساحلية أو قريبة من السواحل، فالخوادم البحرية من الممكن أن تكون خياراً أفضل للمستخدمين حتى وتوفر اتصالاً أسرع عبر الإنترنت.
من الممكن تصنيع الخوادم البحرية على نطاق واسع وبتكاليف أقل فعلياً

واحد من آخر خوادم مايكروسوفت البحرية

عند بناء أية مجموعة من الخوادم على اليابسة، يجب أن تأخذ الشركة الكثير من الأمور في حسبانها. حيث أن كل مكان يمتلك خصائص مختلفة بداية من التشريعات الحكومية المحلية وحتى طبيعة الأرض ونوع البناء القابل للاستخدام. بالنتيجة عادة ما يكون هناك حاجة لتصميم المخدمات بشكل مخصص لتتناسب مع المباني والأماكن التي ستتضمنها. لكن عند الحديث عن المخدمات المائية لا يوجد حاجة للأمر حقاً، بل من الممكن إعادة استخدام التصاميم الموجودة مسبقاً ببساطة.
مع كون المخدمات البحرية قابلة للإنشاء وفق مواصفات محددة ودون تغييرات حقيقية من مكان لآخر، فمن الممكن للشركات توفير الكثير من المال عند تصنيعها. حيث أن بناء الخوادم بتصميم موحد يعني القدرة على تصنيعها على نطاق واسع بشكل أسهل ودون حاجة لإعادة التصميم كل مرة. بالطبع فتوفير المال هنا لن يكون كبيراً للغاية لخادم أو اثنين، لكن مع الأعداد الكبيرة من الخوادم التي تخطط الشركات لصنعها يصبح من المنطقي توفير المال أثناء التصنيع كون هذه التوفيرات الصغيرة تتراكم بسرعة لتحدث فرقاً واضحاً.
هل بناء خوادم بحرية فكرة جيدة دائماً؟
مع الإيجابيات الحقيقية لصنع الخوادم البحرية واستخدامها، قد يبدو من المستغرب كون الشركات لم تستغلها منذ زمن ربما. لكن بطبيعة الحال فالأمر ليس بسيطاً حقاً، ومقابل الإيجابيات الواضحة للخوادم البحرية هناك بعض التحديات والصعوبات التي تقف عائقاً أمام الأمر. هنا سنتحدث عن بعض من هذه التحديات الأساسية التي من الممكن أن تواجهها الشركات وبالأخص Microsoft كونها بدأت بالسير قدماً في مشروعها.
الإصلاح أو الترقية ليست أمراً سهلاً حقاً

في الخوادم العادية الإصلاحات عادة ما تكون بسيطة، لكن الأمر أعقد بكثير بالنسبة لخادم بحري تحت الماء.

مع كون الخوادم مكونة من عدد هائل من المكونات التي تعمل طوال الوقت وعلى مدار الساعة، فمن الشائع أن تتعطل بعض أجزاء الخوادم وتحتاج للاستبدال بشكل دوري. وبالنسبة للخوادم المعتادة يبدو الأمر سهلاً نوعاً ما، لكن عند استخدام الخوادم البحرية فإرسال فرق صيانة من الغواصين لا يبدو كشيء قد تفعله أي شركة حقاً.
بالنتيجة فالخوادم البحرية يجب أن تكون فعالة أكثر في التعامل مع الأعطال ضمنها. وبدلاً من الصيانة الدائمة والمستمرة التي تخضع لها الخوادم المعتادة، ستحتاج الخوادم البحرية لصيانة على فترات متقطعة بحيث يتم صيانتها بشكل دوري كلما تعطل جزء كافٍ من مكوناتها.
هنا يجب التنويه إلى نقطة سلبية أخرى هي أن الخوادم العادية لا تحتاج للتوقف عن العمل ليتم إصلاح الأعطال الصغيرة ضمنها. لكن بالنسبة لخادم تحت مياه المحيط فالأمر ضروري في الواقع، حيث يجب أن يتوقف الخادم تماماً ويخرج إلى السطح لتت صيانته وإصلاح المكونات التي تعاني من المشاكل ضمنه.
التزود بالطاقة تحدٍ حقيقي في معظم الحالات

حالياً يبدو أن محطات طاقة الرياح هي الوسيلة الأفضل لتزويد الخوادم البحرية بالطاقة.

بالنسبة للخوادم التي تبنى على الأرض، غالباً ما يتم الاستعانة بشبكات الكهرباء المحلية للتزود بالطاقة. لكن بالانتقال إلى تحت الماء لن تجد أية شبكات طاقة بل سيكون هناك حاجة لوصلات طاقة جديدة تماماً لاستخدامها. بالطبع فالخوادم التي تكون قبالة سواحل المدن الكبرى من الممكن أن تتزود بالطاقة بسهولة، لكن في الأماكن الأبعد من الممكن أن يكون الأمر تحدياً كبيراً ويتطلب حلولاً مختلفة عن المعتاد.
حالياً واحدة من الأفكار الأفضل ربما هي استخدام حقول الطاقات الريحية المتجددة للأمر. حيث أن العديد من البلدان وبالأخص في شمال أوروبا تبني محطات طاقة متجددة على شكل مراوح هائلة بعيدة عن الشاطئ (عادة ما تكون الرياح أشد وأسرع فوق البحار) وحالياً هناك أحد الخوادم الخاصة بـ Microsoft تعتمد هذه الحقول للتزود بالطاقة شمال النرويج منذ مدة.
التصاق العوالق البحرية والمحار قد يشكل مشكلة على المدى البعيد

أي شيء يترك تحت الماء دون حماية سرعان ما يغطى بالكثير من الكائنات البحرية، وبالنسبة للخوادم هذا أمر غير مقبول أبداً

في حال سألت أي شخص يمتلك بعض الخبرة بالسفن والقوارب وبالأخص القديمة منها، ستعرف أن تراكم القشريات المختلفة على الجزء المغمور من السفينة هو مشكلة حقيقية كوها تؤثر على سهولة الحركة ومقاومة المياه للسفينة. على أي حال وعلى الرغم من أن الخوادم لن تجد مشكلة بالنسبة للحركة كونها مصممة لتكون ثابتة قدر الإمكان، فالقشريات التي تتراكم على سطح الخادم ستترك نتيجة سلبية مختلفة هي إعاقة نقل الحرارة.
بالطبع فهذا الأمر قد يكون مشكلة كبرى بالأخص على المدى البعيد (عدة سنوات مثلاً)، لكن هناك بعض الحلول المستخدمة. حيث أن السفن الحديثة عادة ما تستخدم مواد خاصة منفرة لهذه الكائنات لتمنع التصاقها ببدن السفن، ويبدو أن الخوادم التحت مائية القادمة ستتبع أسلوباً مشابهاً لعدم خسارة الميزة الأساسية وهي التبريد الفعال للخوادم.
هل الخوادم البحرية هي المستقبل حقاً؟

مع العديد من الإيجابيات وبنفس الوقت العديد من التحديات المفروضة فمن الصعب الإجابة حقاً. فالخوادم البحرية قد تكون تجربة ناجحة للغاية ويتم استخدامها على نطاق واسع، أو أنها ربما تفشل في تحقيق تفوق كافٍ على نظيرتها المبنية على اليابسة مما سيجعل الشركات أقل تشجعاً لاستخدامها مستقبلاً.
على العموم ما هو واضح حالياً هو أن الخوادم البحرية قيد التجربة بقيادة Microsoft بالدرجة الأولى. وفي السنوات القادمة ستظهر النتائج بشكل أفضل ويتقرر إن كانت الخوادم البحرية هي الطريق نحو المستقبل حقاً أم أنها مجرد محاولة غير فعالة كما العديد من التجارب الفاشلة عبر السنوات.

Similar Posts