محمد على سليمان يكتب: مرحبا بكم فى العصر الحجرى

بعد حادثة أسوان وإعلان الحكومة عن نيتها استخدام الفحم لتوليد الطاقة الكهربائية، وحل أزمة الظلام التى تعانيها مصر، شعرت بأن مصر قد ركبت اله الزمان وعدنا إلى بداية القرن الثامن عشر، حيث بداية عصر النهضة واختراع القطار الذى يسير بالفحم، هل قامت الثورات فى مصر لتجعلها تتقدم إلى الإمام أم لتعود إلى الخلف مئات السنين .ونجد تعامل الحكومة مع أزماتنا كما كان أجدادنا يتعاملون معها بالضبط، فقد كشفت حادثة أسوان مدى ما يعانيه مسئولينا من نقص حاد فى التعامل مع الأزمات، فأزمة أسوان بدأت بين بعض الطلبة فى إحدى المدارس الثانوية، وبدلا من أن يحتويها مدير المدرسة فيقوم بفتح باب المدرسة وتصدير الأزمة إلى المجتمع كله. وتهدأ الأمور يومين ولا نجد أى استعدادات للأمن لاحتواء الأزمة من بدايتها، وتركها حتى يأتى يوم الجمعة وتنفجر الأوضاع وتسقط الضحايا، ويستمر الأمن فى تجاهل الأزمة لدرجة أنه يتردد على لسان أحد الفريقين أن مدير الأمن هناك، قد طالبهم بأخذ حقهم بأيديهم، مرحبًا بالقرن الثامن عشر حيث لا قانون يطبق سوى قانون القوة .وبعد أن يصل الأمر إلى ذروة المجزرة، فتتحرك الدولة ويذهب رئيس الوزراء ووزير الداخلية لا ليطبقا القانون، بل ليقوما بجمع الفريقين فى مشهد آخر من مشاهد القرن الثامن عشر ليتصالحوا فى إحدى الجلسات العرفية التى لا تقدم ولا تأخر، فى مشهد من تبادل القبلات وسمع العبارات التى تدل على التسامح، وما أن يدير المسئولون ظهورهم للمحافظة إلا وتتكرر الاشتباكات مرة أخرى.وقد كانت هذه الحادثة كاشفة لنا مدى ما تعانيه مصر من مسئوليها وطريقة تفكيرهم، التى لا علاقة لها بالقرن الحادى والعشرين، طريقة تفكير نمطية بل بالية تعيدنا إلى العصر الحجرى، حيث تعامل القبائل مع بعضها البعض وقد كنا نعيب على الإخوان بأنهم يريدون إعادتنا إلى عصر الأهل والعشيرة، فمرحبًا بنا فى عصر ما قبل الأهل والعشيرة.ويزداد الموقف سوءًا بعد أن تعلن الحكومة عن نيتها استيراد الفحم لحل أزمة الطاقة فى مصر، الآن نحن فى القرن الثامن عشر رسميًا، ولا أجد أى تحرك من وزيرة البيئة، فبعد أن أعلنت فى أكثر من وسيلة إعلامية بأن الفحم سوف يؤثر على البيئة وصحة المواطنين، نجدها تلتزم الصمت ولا تأخذ أى موقف إيجابى، حتى أن اضطرها ذلك لتقديم استقالتها .ولا أعلم ألا يرى المسئولون ماذا صنعت المصانع التى أقيمت فى مدينه حلوان فى البيئة هناك؟ فبعد أن كانت مدينة حلوان مقصدًا للسياحة العلاجية وكانت عين حلوان مقصدًا للسياح، نجدها أصبحت طاردة للسياحة وتغيرت البيئة بها، بعد أن أفسدت المصانع هواءها وجوها الصحى، هل لكى تقضى على أزمة تصدر أزمات للمجتمع، وخاصة هذه الأزمات التى تؤثر على صحة المواطنين.وأعتقد أن حياة المصريين وصحتهم لا تساوى عند الحكومة شيئًا، فلو كانت تساوى شيئًا لتحركت الحكومة سريعًا قبل أن تغرق أسوان فى حمام من الدم، ويرتفع عدد القتلى إلى 27 قتيلا، بعد أن كانت فى أول يوم 3 قتلى، لو كانت حياة المصريين وصحتهم تساوى عند الحكومة شيئًا لما فكرت فى استيراد الفحم الذى حتمًا سوف يؤثر على حياتهم .ولكن هناك فارقًا كبيرًا بين تفكير المسئولين الذين مازالوا يعيشون فى القرن الثامن عشر وبين التفكير فى حل أزمات القرن الحادى والعشرين، هل هذه الحكومات مهمتها حل أزمات المواطنين وتسهيل حياتهم حلا جذريًا، أم مهمتها تصدير الأزمات إلى من يأتون بعدهم، هل مهمتهم تصدير الإحباط إلى المصريين ليندموا على أنهم قاموا فى يوم من الأيام ضد الظلم والفساد؟هل مهمتهم تصدير اليأس للشباب ليعودا إلى التفكير فى كيفية ترك البلد بأيه صورة وبأيه وسيلة، هل مهمة الحكومة أن يجلسوا فى مكاتبهم وأن ينعموا بحراسة ومواكب فخمة، أم أن يفكروا فى كيفية حل أزمات المواطنين، أن يبعثوا فى صدور المواطنين الأمل وأن يلهبوا حماسهم ليتحدوا معهم فى عبور الأزمات؟لقد كشفت هاتان الأزمتان عن سوء إدارة، وعن مدى ما تعانيه بلدنا من إهمال من مسئوليها وعدم القدرة على الإبداع لحل المشكلات، ولا أعيب عليهم فهم مواليد ثورة 1919 مازالوا يفكرون بنفس الطريقة البالية والقديمة، مازالوا يعيشون فى عصرهم الذين هم مواليده ألا وهو العصر الحجرى.

Similar Posts