مفاهيم عامة حول هيكل الصناعة

اولا:مفهوم هيكل الصناعة
قبل التطرق لهيكل الصناعة وجب علينا أولا تعريف الصناعة،إذ يعرفها كل من ) Hill Choolsو Gareth R Jones( أنها مجموعة من الشركات تنتج منتجات أو خدمات يمكن أن تمثل بدائل لبعضها البعض،و هذه البدائل عبارة عن منتجات أو خدمات تؤدي إلى إشباع حاجة أساسية لنفس المستــهلك.
يتخذ اصطلاح هيكل الصناعة، بالتعريف بخواص التركيب البنائي للأسواق التي تعمل في ظـلها الصناعات في بلد معين. ومن أمثلة هذه الخواص الأهمية النسبية للوحدات الإنتاجية المختلفة فـي الصناعة،أي وزنها النسبي،من حيث رأس المال أو عدد الإنتاج،أو عدد العمال و غيـرها )وإن كان هذا التعريف أقرب للتركز الصناعي منه للهيكل(.
من زاوية أخرى ينظر للهيكل، على أنه أي جسم مركب ما، فإنه النمط أو الطريقة التي تترتب بها الأجزاء المكونة لذلك الجسم، فـإذا أخذنا السـوق هنا كجسم، يتعين تفحص الطريقة التي ترتبط بها المكونات المختلفة للصناعـة،و في هذه الحـالة البائعين و المشترين،و كيف يرتبطون ببعضهم البعض. إذ أن حاجات الزبون و طريقة تلقيه و تقبله لمنتجات المؤسسة يعتبر مهما لحيوية الصناعة و المؤسسات الناشطة بها،إذ لو لم يكن الزبون مستعدا لدفع أكثر من تكاليف الإنتاج،لما كان لهذه الصناعة و مؤسساتها الاستمرار.
هيكل الصناعة يتشكل من مجموع الخصائص الاقتصادية و الفنية،و من بين هذه المكونات الأساسية ذات الصلة الوثيقة بقوى المنافسة الخمسة ،الخصائص المتعلقة بدرجة نمو الصناعة،و التكاملات الممكنة بها،و حواجز الدخول و الخروج منها و إليها،و سهولة الحصول على وسائل الإنتاج و جودتها،و إمكانية الوصول إلى قنوات التوزيع، و غيرها من المكونات. و تجدر الإشارة إلى أن هيكل الصناعة يمكن النظر إليه من عدة نواحي:
– من حيث تركيب الصناعـات:ينقسم إلى صناعات وسيطة،استهلاكية،رأسمالية،و كـذا نسبة إسهام كل منها في الناتج الكلي،و العمالة الكلية في القطاع.
– من حيث طبيعة و شكل السوق،و مدى وجود عوامل احتكارية،أو عوامل منافسة في السوق.
ثانيا:الأبعاد الرئيسية لهيكل الصناعة
تتمثل أبعاد هيكل الصناعة فيما يلي:درجة التركز الصناعي للمؤسسات،مستوى عوائـق الدخول، درجة تمييز المنتجات. و كذا حواجز الخروج، و أحيانا يضاف إلى ذلك، درجة التكـامل الرأسي و الأفقي للمؤسسات الصناعية.
1- التركز الصناعي
تركز الصناعة هو محور الدراسات في مجال الاقتصاد الصـناعي،و المقصـود بتركز الصناعـة إلى أي مدى يتركز الإنتاج في إحدى الصناعات في أيدي عدد محدود من المؤسسات.
التركز في لغة الاقتصاد معناه جنوح عناصر الإنتاج نحو التجمــع في مشـروع واحد. فالتركز بالنسبة لصناعة معينة، هو زيادة أهمية بعض المؤسسات فيها مقارنة بالبعض الآخر.
و يعتبر التركز أحد أهم أبعاد هيكل الصناعة، و أكثرها استخداما،لأنه أكثر طواعية للقياس،و غالبا ما تكون البيانات منشورة في معظم البلدان عن الكمية الكلية مثل:حجم المبيعات، حجم الإنتاج، الأصول،رأس المال،بالإضافة إلى عدد المؤسسات في الصناعة،ونسبة إسهام كل منها في الكمية الكلية.
فالتركز يشرح إذن الــــوزن المطـــلق أو النسبي لديمغرافية المؤسسات في الصناعة خــاصة فيما يتعـــلق بالكبيرة منها. حيث أن الـــزيادة في عدد الوحـدات الكبيرة،أو النقص الكــــلي للوحدات يتسبب في زيادة التركز. فمن الواضــح أن دخــول منشأة ذات حجم كبير نسبيا يؤدي في الــــواقع إلى زيادة تركيز السوق ، و يعـــد دخـول شركة ” زيروكس ” في سوق ماكنات التصوير مثالا حيا لمثل هذا التأثير.
2- عوائق الدخول إلى الصناعة
يعرف ستيجلر )1968(عوائق الدخول عائق الدخول ؛تلك التكلفة الإنتاجية )عند مستوى معين أو عند كل مستويات الإنتاج(التي يجب أن تتحملها المؤسسة الراغبة في دخـول الصناعة،و لا تتحملها أصلا المؤسسات الموجودة في الصناعة.
حسب” ستيجلر” إذا تماثلت ظروف الطلب ،و تكلفة الإنتاج للمؤسسات القائمة و الجديدة ،فـــــلا وجود لعوائق دخول.
أما” بين” فيعرف عوائق الدخول على أنها مقدرة المؤسسات القائمة ،على وضع سعر لا تستطيع أي مؤسسة محتملة الدخول عنده،أو دونه،دون أن تحـــقق خسائر،وإن كـــــان هذا السعر،يسمح
للمؤسسات القائمة بتحقيـق ربح.
و تكاليف عائق الدخول ،لا تشمل فقط تكاليف الدخول ،بل زمن الدخول ضروري أيضـــا للدخول.
و تتصف عوائق الدخول عموما ؛بالعوامل التي تؤدي إلى منع أو الحد من دخول مؤسسات جديدة للقيام بإنتاج أو بيع سلعة ما في سوق صناعة معينة .و تفسير عوائق الدخول في تفسير إستقـرارية الهياكل.
و يشترط في عوائق الدخول إقامة طاقة إنتاجية جديدة ؛فالتوسع في الطاقات الجديدة،أو الانفصال بعد الاندماج لا يعتبر دخولا ،بالإضافة إلى أن الميزات تكون طويلة الأجل .
3- سياسة التمييز بالمنتجات
يهدف التمايز بالمنتجات ،إلى خــلق بعض الأشياء التي تبدو وحيدة على القطـــاع …،و التـي يدرك العديد من زبائن القطاع أنها ذات أهمية ،ثم تجد المؤسسة لنفسها ؛وضعية تصبح لنفسها المشبع الوحيد لهذه الحاجات. حيث يصعب محاكاة الخصائص من طرف المنافسين ؛يجعل الزبون يدفع سعر أعلى ،لأنه ليست هناك بدائل كاملة للمنتج من وجهة نظره.
يعمل التمييز على تدعيم عــوائق الدخول،بسبب تكــاليف التغلب ،على تفضيـلات شراء الزبـائن ،مع المؤسســات القائمة ،فمن الضروري على المؤسسات الجـديدة ،أن تنفق مبـــالغ طــائلة على الدعـــاية و التوزيع لتحقق لنفسها سمعة طيبة،و تكسب ولاء زبائن جدد. كما أن الاستثمارات اللازمة ،كتأسيس علامة متميزة مثلا ،سوف لن تكون لها أي قيمة متبقية،في ما إذا أدى الدخول إلى خسارة.
يشترط تطبيق سياسة التمييز بالمنتجات مايلي :
ـ إدراك الزبون لتميز المنتج.حيث أن المنتجات تتميز وفقا لمقاييس الزبائن و آرائهم،أو بمعنى آخر حتى علامات )أسبرين ؛محددة بمواد كيماوية معينة ،إذا كان المستهلكين يعتقدون أنها مختلفة تكون مميزة بالنسبة لهم.
ـ البحث التكنولوجي و البحث التسويقي شرط مهم جدا لضمان التمايز في المنتجات.
ـ الحرص على الموازنة بين السعر و التكلفة.
و من الواضح ـ انطلاقا من الشروط المذكورة ـ أن وسائل التمييز الإعلان ،و كذا البحث و التطوير.
ويكون التمايز بالمنتجات هو الأفضل ،بسبب جعل المؤسسة في مأمن من هجمات المنافسين ،بسبب ولاء يمكن تطويره،و كأحسن مثال مرسيدس في عالم السيارات ..،و إبي ام للحواسيب. في المقابل يجب أن تكون للمؤسسة الشجاعة الكافية ،من أجل التخلي عن بعض الحصة من السوق وفقا لهذه الإستراتيجية ،و رغم أن كل شخص يدرك مدى الجودة العالية من منتجات و خدمات متميزة. إلا أن بعض الزبائن ليس لهم الاستعداد لدفع السعر العالي ؛فسيارة مرسيدس مثلا ليست في متناول كل شخص.
4- عوائق الخروج
أ: مفهوم عوائق الخروج
عوائق الخروج ،هي عوامل تلزم المؤسسة على البقاء في السوق غير المربح،بالتالي نجد أن المؤسسات تستمر في التنافس ،حتى لو كانت تعتقد أن ذلك لا يدر عليها الكثير من الربح ،و لا شك أن معرفة أي مؤسسة محتملة بوجود عوائق خروج في الصناعة ،قد يجعلها تتردد في دخولها إلى سوق هذه الصناعة.
ب:أسباب البقاء في الصناعة غير المربحة
قد تستمر المؤسسة في الصناعة غير المربح للأسباب التالية :
ـ امتلاك المؤسسة لوسائل إنتاج متخصصة ،تحول دون تغييرها لمجال نشاطها .
ـ فترة إهلاك و تقادم الأصول الثابتة،كلما كانت قصيرة كلما كان الخروج من الصناعة سهلا.
– الإرادة السياسية ،تدخل الدولة بمجموعة من القيود ،تحول دون الخروج.
ـ اتفاقية العمل التي تكلف الكثير عند نقضها.بالإضافة إلى أن المؤسسة قد تكون متكاملة مع قطاعات أخرى ،أو ما يسمى بالارتباط العلائقي،فثمة مؤسسات لا يمكن أن تستغني عنها قطاعات أخــرى.
ـ الارتباط الروحي و العاطفي،الذي يشعر به الملاك و المدراء ،بالإضافة إلى القوانين الخاصة بتسريح العمال،و إغلاق المصنع،التي أصبحت شائعة في كثير من الدول.
ثالثا:أشكال هيكل الصناعة
هناك أربعة أشكال لهيكل الصناعة، تتمثل في المنافسة التامة، الاحتكار التام، المنافسة الاحتكارية، واحتكار القلة، وتختلف هذه الأشكال عن بعضها البعض باختلاف العناصر المحددة لهيكل الصناعة التي تطرقنا لها .
1- المنافسة التامة: وتتميز بالخصائص التالية:
– وجود عدد كبير من المنتجين، يتنافسون بينهم حيث يسيطر كل منهم علي جزء صغير جدا من الإنتاج الكلي، وبالتالي لا يستطيع التأثير في السوق.
– وجود عدد كبير من المشترين، وأن كمية الشراء لكل مشتري تعتبر قليلة بالنسبة لمجموع المعروض السلعي، وليس لهم الإمكانية في التأثير علي السوق.
– تجانس وتماثل المنتجات الموجودة في السوق بالشكل الذي يعطي إمكانية انتقال وتحول المشتري من بائع إلي آخر من أجل الحصول علي السلعة الجيدة.
– حرية الدخول والخروج من السوق، أي قدرة أي طرف سواء المستهلك أو المنتج أن يلعب أحدهم دور الآخر، فالمستهلك يمكن أن يتحول لبائع والعكس صحيح، من هنا فإن فرضية ربح تلوح في الأفق ستجذب لها عددا غير محدود من المنافسين، يريدون أن ينالوا نصيبا من تلك الأرباح.
– علنية معاملات السوق من حيث الأسعار والكميات وأنواع الصفقات، وبالتالي فليس هناك فرصة للتأثير علي حجم العرض أو الطلب احتكار أي منهم .
2- الاحتكار التام
الاحتكار التام هو أحد أشكال السوق، الذي توجد فيه مؤسسة واحدة تنتج سلعة ما ليست لها بدائل قريبة منها، كذلك وجود عوائق كبيرة تمنع دخول بائعين آخرين لهذا السوق ،وتتميز هذه السوق بالتالي:
– وجود منتج أو بائع واحد للسلعة.
– هناك قيود علي حرية الدخول للسوق قد تكون قانونية أو غير قانونية.
– السعر غير ثابت في السوق ويحدد من قبل المحتكر استنادا إلي تحكمه في كمية المعروض من السلعة.
3- المنافسة الاحتكارية:
ويمثل هذا السوق حالة وسط بين السوقين السابقين، فهو يجمع بعض الخصائص من سوق المنافسة التامة وخصائص من سوق الاحتكار التام، ويكون أقرب عادة إلي السوق الأول، ويمكن أن نذكر بعض الخصائص التي يتميز بها هذا السوق في النقاط التالية :
– وجود عدد كبير من البائعين والمشترين، مما يعني أن كل بائع أو منتج لا يمثل إلا حصة صغيرة من السوق، ويكون عدد المؤسسات التي تنتج السلعة أقل عددا مما هو عليه في سوق المنافسة التامة.
– السلع متماثلة وغير متجانسة، وبالتالي فهي تمثل بدائل قريبة لبعضها، حيث يحاول كل منتج أن يجعل هناك اختلاف بين سلعته وسلعة الآخرين، سواء كان هذا الاختلاف شكليا، كأن يكون في اللون، التغليف، الديكور، الدعاية والإعلان، أو قد يكون الاختلاف جوهريا، ونتيجة هذا الاختلاف يحاول البائع أن يتدخل في تحديد سعر سلعته بما يختلف عن سعر سلعة الآخرين، ويعتمد التدخل في تحديد السعر علي درجة الاختلاف بين سلعته وسلعة الآخرين .
– حرية الدخول والخروج من السوق، كما هي في حالة المنافسة التامة، وتوفر المعلومات، حيث أن المعلومات المتعلقة بالتسعير، والتكلفة والأرباح وغيرها ممكن الوصول إليها من قبل المنتجين وبكل سهولة.
– إن وجود عدد كبير من المؤسسات المنتجة في هذا السوق يعمل أيضا علي صعوبة الاتفاق فيما بينهم بغرض التأثير علي السوق سواء من خلال تحديد كميات الإنتاج أو التأثير علي الأسعار.
4- سوق احتكار القلة
يعني وجود عدد قليل من المنتجين الكبار يسيطرون علي سوق سلعة معينة مثل: شركات البترول، شركات إطارات السيارات، شركات السيارات، شركات إنتاج الطائرات. وعادة ما يتم الاتفاق بين بعض الشركات العملاقة في إنتاج سلعة معينة لضم مؤسساتهم مع بعضها البعض مما يؤدي إي توفر قدرة إنتاجية كبيرة تساعد في إنتاج السلعة بتكلفة اقل، ولكن ينتج عن هذا الاتفاق ظهور مؤسسات كبيرة وقليلة في السوق ويكون لها تأثير علي الأسعار، كما أن قلة عدد المؤسسات المنتجة للسلعة تجعل كل منها تحسب حساب القرار الذي تتخذه أي من المؤسسات الأخرى وبالتالي تحاول التنبؤ بما ستفعله المؤسسات الأخرى إذا اتخذت أي قرار من القرارات المتعلقة بالإنتاج أو الأسعار، لذا يتوقف نجاح أية إستراتيجية لمؤسسة منتجة في سوق احتكار القلة علي ردود الفعل بالنسبة للمؤسسات المنافسة الأخرى.
خلاصة :
بعدما تطرقنا إلي مفهوم الاقتصاد الصناعي، في كونه العلم الذي تتمحور معظم دراساته حول معرفة نوع العلاقات التي تنشأ بين محاوره رئيسية: هيكل الصناعة، سلوك المؤسسات، أداء المؤسسات، وكيف تأثر وتتأثر فيما بينها، وكيف يؤثر كل ذلك علي سير عمل الصناعة وتطورها ، وجدنا ان هيكل الصناعة يعتبر من أهم المحاور التي يعتمد عليها الاقتصاد الصناعي في التحليل، حيث تمحورت معظم الدراسات الأولي في مجال الاقتصاد الصناعي حول هيكل الصناعة، وكيف يؤثر علي العناصر الأخرى، أي السلوك والأداء، ثم جاءت الدراسات بعد ذلك لتبين أنه هناك علاقات تبادل بين هذه العناصر.
ويأخذ هيكل الصناعة عدة أشكال، وذلك حسب عدد المؤسسات وتوزيعها النسبي داخل الصناعة من جهة، ومن جهة أخرى العلاقات القائمة بين هذه المؤسسات فيما بينها وبين العناصر الأخرى المشكلة للصناعة.

Similar Posts