التحول فى ظاهرة الإرهاب بالمنطقة العربية

ساد تصور فى مجال الدراسات الأمنية، أن الثورات العربية ستؤدى إلى تراجع موجة الإرهاب فى المنطقة، نظرا لأنها وفرت الفرصة لقوى الإسلام السياسي، للمشاركة فى السلطة، فى عدد من الدول العربية.
الإرهاب بدون قيادة

فقد كان للديناميكيات التى أطلقتها الثورات العربية، فى الدول التى سقطت فيها النظم القديمة، مثل مصر وتونس وليبيا، أو التى تأثرت بموجة الثورات، مثل البحرين، دورا فى انتشار نمط «الإرهاب بلا قيادة» فى المنطقةleaderless terrorism ، حيث يلاحظ أن هذا النوع من الإرهاب، والذى يأخذ شكل «الخلايا الصغيرة»، والتى تتألف من عدد محدود من الأشخاص تربطهم علاقات ثقة، تجسد رأس مال اجتماعى فيمابينهم، هو الأكثر انتشارا فى المنطقة. فعلى سبيل المثال، رصدت الأجهزة الأمنية فى مصر فى الفترة التالية على ثورة 30 يونيو 2013، تشكل العديد من هذه الخلايا، كماأن البحرين والكويت شهدتا تشكل خلايا قريبة من هذا النوع من الإرهاب من قبل أفراد ينتمون للطائفة الشيعية، ويتبنون أهدافًا سياسية محددة.
خلايا غير قاعدية
ويمتاز هذا النوع من الإرهاب، بخصائص تختلف عن خصائص الإرهاب الذى كان يمارسه تنظيم القاعدة الأم، أو تمارسه تنظيمات القاعدة المحلية، مثل القاعدة فى المغرب الإسلامي، والقاعدة فى بلاد الرافدين والقاعدة فى الجزيرة العربية. تتمثل الخاصية الأولي، فى أن من ينفذ هذا النوع من الإرهاب، أفراد أو جماعات صغيرة فىالعدد، لا ترتبط تنظيميًا أو فكريًا بتنظيم القاعدة، أى أنها «غير قاعدية»، وتتبنى استراتيجيات إرهابية لأسباب مختلفة سواء كانت سياسية أو دينية أو إثنية.
وتنصرف الخاصية الثانية، إلى أنه لا توجد قيادة للجماعات أو الأفراد الذين يمارسون هذا النوع من الإرهاب، حيث لا يوجد قيادة فكرية أو عملياتية يمكن تتبعها أو ترقبها، حيث لا يوجد تنظيم عنقودي، أو قيادة واحدة تصدر الأوامر، أو مجلس شوري، أو لجان متعددة، أو مجموعة من القيادات العملياتية المسئولة عن المناطق والخلايا. حيث إن مركز الثقل الحقيقى لهذا النوع من الإرهاب، هو الأيديولوجية التى يعتنقها كل من يمارسه، سواء كان فردا، أو خلية محدودة العدد، والتى تجمع بين اعتقاد ديني، ومشاعر عدم الرضا لأسباب إثنية أو طائفية.
وتتعلق الخاصية الثالثة، بأنه عادة ما يكون عدد الضحايا البشرية من هذا النوع من الإرهاب محدودا مقارنة بالموجات السابقة من الإرهاب، وهذا ما تكشف عنه العمليات التى شهدتها الدول العربية فى الفترة السابقة، حيث تنحصر كما هو الحال فى مصر والبحرين، فى استهداف مقار المؤسسات الأمنية، أو استهداف عناصر الشرطة فى الكمائن ونقاط التفتيش. ولكن، بصفة عامة، لا يوجد حد أقصى لمستوى العنف الذى يمكن أن يعتمده عناصره، خاصة وأنهم لا يهتمون بتكوين أتباع أو متعاطفين معهم.
وتتمثل الخاصية الرابعة، فى أن الأفراد المنخرطين فى هذا النمط من الإرهاب ليسوا«أجانب» أو «مهاجرين»، وإنما مواطنون طبيعيون نشأوا فى الدولة، ولسبب ما قرروا أن يصبحوا أكثر راديكالية تجاه دولتهم. إلى جانب ذلك، فهم غير منعزلين عن مجتمعاتهم، فعلى خلاف الطبيعة الانعزالية التى ميزت جماعات الإرهاب التقليدية، خاصة إرهابيى القاعدة، وكونهم منعزلين فى مكان ما جغرافيًا عن الإعلام وعن المراكز الحضرية فى الدولة، وعن أسرهم وعائلاتهم، فإن العناصر المعبرة عن هذا النوع الجديد من الإرهاب، تتفاعل بصورة مستمرة مع المجتمع المحيط بها، وهذا التفاعل هو الذى يزيدها راديكالية، ويخلق نوعًا من العزلة النفسية بينها وبين المجتمع ويجعلها أكثر عداء له.
وتنصرف الخاصية الخامسة، إلى أنه لم يعد انتشار هذا النوع مرتبطا بدول تعانى من مشاكل اقتصادية، حيث أن ازدهار هذا النوع من الإرهاب، أصبح ممكنا أيضا فى دول ترتفع فيها معدلات التنمية، وفيها استخدام مكثف للإنترنت والهواتف الذكية، لا سيما فى دول الخليج التى تعد من أكثر الدول تقدمًا فى هذا المجال، فضلا عن احتفاظها بمعدلات تنمية مرتفعة، فمن يمارسون هذا النوع من الإرهاب، من خلفية اجتماعية جيدة.
وتتعلق الخاصية السادسة، بأنه لم تتم عملية تجنيدهم بصورة منظمة، فهم لم يتخرجوامن المدارس الدينية، أو مخيمات التدريب، كما كان الحال مع مجاهدى القاعدة، حيث حدث تحول فى فكر هذه العناصر من خلال المدونات الجهادية، والمواقع الإرهابية، وعبر الدورات التدريبية المتاحة على الإنترنت حول كيفية تنفيذ العمليات الإرهابية محدودة النطاق، أى أنهم اعتمدوا على «التعلم الذاتي». ولذا، لا تتمتع هذه العناصر فى بعض الأحيان بمهارة كافية لتنظيم أو تخطيط أى تفجيرات أو عمليات.
استراتيجيات المواجهة
من المتوقع أن تشهد المنطقة، خلال الفترة المقبلة، تزايد انتشار هذا النوع من الإرهاب، خاصة فى ظل بيئة إقليمية مشجعة على ذلك. ومن ذلك اكتساب الصراع فى سوريا طابع طائفي، وانتقال تداعياته للدول المجاورة لسوريا، وعودة نشاط خطوط «نقل المهاجرين» إلى سوريا من أوروبا ودول شمال أفريقيا، ودول الخليج، وإلى خارج سوريا. وذلك إلى جانب اتجاه جماعة الإخوان المسلمين فى مصر، والجماعات الإسلامية الموالية لها منذ ثورة 30 يونيو 2013، الى اتباع استراتيجيات عنيفة، على نحو يدعم احتمال تحول جماعة الإخوان، من كونها فاعلا «ضخما» متعديا للحدود، له أفرع فى عدة دول فى إقليم الشرق الأوسط، إلى جماعة «إرهابية» قد يتعدى نشاطها العنيف حدود الدولة المصرية، لاسيما فى ظل تعدد جماعات الإخوان فى الإقليم.
وفى هذا السياق فقد اتبع عدد من الدول العربية مؤخرا إستراتيجية السيطرة الاجتماعيةعلى الإرهاب من خلال وضع أطر قانونية تقلص شرعية الأيديولوجيات التى عادة ما يستند إليها الإرهاب من هذا النوع، فعلى سبيل المثال، أعلنت مصر فى 25 ديسمبر 2013، تصنيف جماعة الإخوان المسلمين على أنها جماعة إرهابية، كما أعلنت السعودية فى 7 مارس 2014، عن قائمة خاصة بها للجماعات الإرهابية، جمعت بين تنظيمات الإرهاب التقليدي، مثل القاعدة بأفرعها وداعش والنصرة، وأخرى تمثل أيديولوجيتها محركا للإرهاب بدون قيادة، مثل جماعة الإخوان المسلمين وحزب الله السعودي. إلى جانب ذلك، اتجه مجلس التعاون لدول الخليج العربية فى مايو 2013 للتضييق على نشاط حزب الله فى دول الخليج، من خلال فرض عقوبات على من لهم علاقة بحزب الله، وفرض قيود على تصاريح الإقامة والتعاملات المالية والتجارية، وقد سبق ذلك إقرار مجلس الوزراء البحريني، إدراج حزب الله كجماعة إرهابية.
خلاصة القول، أن اتساع نطاق هذا النوع من الإرهاب، من حيث الدول التى تتعرض له، خلال الفترة المقبلة، يتطلب استراتيجيات معقدة فى مكافحته، تكون من ناحية، ذاتطابع «غير أمني»، تستهدف مركز الثقل الرئيسى لهذا النوع من الإرهاب، فـ»الأمننة»الزائدة Over-Securitization فى التعامل مع الإرهاب، والتسييس الزائد يغفل البعد المجتمعى الذى يساعد على انتشار هذه الظاهرة، والمرتبط بصورة رئيسية بالتعليم، وبقدرة الفرد على التعليل المنطقى لمواقفه العنيفة. كما يتطلب من ناحية ثانية، إجراءات جماعية، بين الدول التى تواجه هذا النوع من الإرهاب، تكفل تتبعه عبر الحدود. ولكن يظل التحدى الرئيسي، أن هذا النوع عادة ما يصعب التنبؤ بظهوره فى الدولة، أو توقع انتشاره فيها على نطاق واسع.

 ولكن مع تعقد المراحل الانتقالية فى عدد من الدول، ما لبث أن اتضح قصور هذا التصور، فكما يشير تقرير الإرهاب الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام للعام 2012، ظلت العمليات الإرهابية تنفذ على نطاق واسع فى المنطقة، وتتركز بصورة كبيرة فى منطقة المشرق، واليمن كما يتضح من الخريطة، حيث تشير العلامات الحمراء للعمليات التى نفذت، والعلامات السوداء للعمليات الأكثر عنفا. كما اتسع نطاق أعمال العنف التى شهدتها المنطقة، فى الفترة التالية على اندلاع الثورة فى سوريا، وسقوط نظام القذافي، وسقوط حكم الإخوان فى مصر، على نحو غير خريطة الإرهاب فى المنطقة، وهى أعمال لم توثق حتى الآن فى أى تقارير خاصة بالإرهاب.
 

Similar Posts