أزمة الكهرباء.. و«العصا السحرية» لحلها

بدون تكاتف جميع أبناء الشعب المصرى العظيم بشكل طوعى مبنى على قناعة تامة بضرورة إعلاء المصلحة العامة على المصلحة الشخصية،لن يكون سهلا التغلب على أزمة نقص الكهرباء المتوقعة خلال الصيف القادم.

فالعجز فى توفير الكهرباء تسبب فى أن أصبح الظلام مشكلة يعانى منها غالبية المصريين ليس فى القاهرة وحدها بل فى كل المحافظات. وهذا العجز يؤثر بالسلب على حياة أكثر من 86 مليون مواطن مصري، أصبحت حياتهم مرتبطة بالكهرباء لدرجة يمكن وصفها بأنها أصبحت بمثابة «الروح»
أبعاد الأزمة
يدرك المسئولون عن الكهرباء فى الحكومة الجديدة حجم الأزمة الهائل، ومحدودية القدرات المتاحة لمواجهتها معترفين بأنهم لا يملكوا «عصا سحرية» لوقف انقطاعات الكهرباء، ويؤكدون أن هذه الانقطاعات سوف تستمر فى الصيف القادم، ولكنهم يعدون فى الوقت نفسه بـ «العمل على تقليل حدتها»، إذ توجد توقعات بأن يصل العجز المتوقع بين إنتاج واستهلاك الكهرباء فى فترة الصيف القادم إلى 5 آلاف ميجاوات، بما يمثل 20 فى المائة تقريبا من إجمالى قدرة محطات الكهرباء على الإنتاج. ومن ناحية أخرى، لا يتوافر الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء الحالية والتوسعات المستقبلية، لأسباب كثيرة منها تفشى ظاهرة تهريب المواد البترولية من سولار ومازوت بكميات كبيرة، وتراجع إنتاج البترول الخام والغاز الطبيعى نتيجة عدم الاستقرار السياسى والاقتصادى مما دفع الكثير من الشركات العاملة فى هذا المجال إلى التوقف عن العمل، خاصة وأن معظمها لم يحصل على مستحقاته لدى الحكومة، والتى بلغ مجموعها أكثر من 6 مليارات دولار فى نهاية العام الماضي، وتزايد الاعتماد على استيراد الغاز الطبيعى من الخارج، وهو ما يحتاج بدوره إلى نقد أجنبى (شح مؤخرا نتيجة تعثر السياحة والاستثمار الأجنبي) لدفع الفاتورة المرتفعة فى ظل الارتفاع العالمى فى أسعار البترول الخام والغاز الطبيعي.
ومن ناحية ثالثة، لا يتوافر التمويل اللازم والاستثمارات المطلوبة لمشروعات قطاع الكهرباء المستقبلية، والتى بحاجة إلى توفير استثمارات تقدر بـ 3 مليارات دولار سنويًا، للوصول بحجم الطاقة المولدة بحلول عام 2027 لنحو 57 ألف ميجاوات. وهذا العجز عن التمويل مفهوم بالتأكيد فى ضوء التعثر المالى للشركة القابضة للكهرباء والتى وصلت مديونيتها لوزارتى المالية والبترول فى عام 2013 إلى نحو 60 مليار جنيه، بخلاف أعباء سداد فوائد القروض. كما تعانى الشركة أيضا من انخفاض السيولة لديها نتيجة ارتفاع مديونية الجهات الحكومية لها، والتى بلغت 15 مليار جنيه. وقد دفع الأداء المالى الضعيف للشركة البنوك المصرية ومؤسسات التمويل الدولية إلى تجنب تمويل مشروعاتها الجديدة. وآخرا وليس أخيرا، لا يوجد حتى الآن إطار تشريعى واضح يوضح طبيعة مشاركة القطاع الخاص فى توفير الكهرباء، رغم إعداد مشروع قانون الكهرباء الموحد، والذى تضمن مواد عديدة أبرزها دور القطاع الخاص، إلا أن هذا القانون لم يتم إقراره حتى الآن.
العصا السحرية
غياب العصا السحرية فى أيدى مسئولى الحكومة المصرية، يجعل توفير وترشيد الكهرباء خلال الفترة القادمة بمثابة الحل العملى لأزمة الكهرباء المستعصية. وهو حل سريع، وسهل، وغير مكلف ماليا، ويمكن للجميع القيام به فورا. فعلى عكس إقامة محطات جديدة لتوليد الكهرباء، والتى تتطلب فترة زمنية طويلة حتى تكتمل وتمويل كبير لتنفيذها، يعد توفير استخدام الكهرباء من الحلول السريعة وغير المكلفة. حيث يمكن البدء فيها من اليوم، بل ومن هذه اللحظة، من جانب جميع أبناء الشعب المصري، وبدون إنفاق أية موارد مالية جديدة. كما أن هذا الترشيد يمكن أن يوفر ما بين 10 و20 فى المائة من الكهرباء المستهلكة. ومن أهم التجارب التى يمكن الاستفادة منها فى هذا المجال الخبرة اليابانية فى التعامل مع الكارثة الثلاثية التى ضربت اليابان فى 11 مارس 2011، والتى جمعت بين زلزال عنيف وتسونامى هائل وتسرب إشعاعى من محطة فوكوشيما النووية لتوليد الكهرباء، حيث أدت هذه الكارثة إلى حدوث عجز كهربائى رهيب، بعد قرار إيقاف العمل فى معظم المحطات النووية التى كانت تزود اليابان بحوالى 15 فى المائة من احتياجاتها الكهربائية.
الخبرة اليابانية
ولمواجهة هذه الأزمة الصعبة، قرر اليابانيون معا القيام بعدة خطوات بسيطة من أجل توفير الكهرباء، مثل:
* تخفيف استعمال مكيفات الهواء، عن طريق رفع مؤشر ضبط درجة الحرارة إلى 28 درجة فقط فى الأيام الحارة، والتوقف عن استخدامها تماما فى أيام الصيف غير الحارة، والاستعاضة عنها بالمراوح الكهربائية أو اليدوية.
* استخدام الملابس الخفيفة فى الصيف وتجنب رابطة العنق بشكل مطلق، لأنها ترفع من درجة حرارة الجسم 5 درجات مئوية. وكان كبار المسئولين قدوة لباقى المواطنين فى ارتداء هذه الملابس لتشجيع هذه الفكرة.
* الاعتماد على الإنارة الطبيعية قدر الإمكان باستغلال ضوء الشمس خلال النهار لإنارة المنازل و المكاتب. كما تم تخفيض الإضاءة غير الضرورية فى أماكن العمل بما لا يؤثر على سير العمل. وتم تحويل المباريات الرياضية الليلية لتقام أثناء النهار.
* التقليل من عدد مرات فتح الثلاجات حتى لا تتسرب البرودة منها.
* نزع جميع مقابس الأجهزة الإلكترونية كالتلفزيون والكمبيوتر، عند عدم استعمالها، لأنها تستهلك كمية من الكهرباء حتى فى حال عدم تشغيلها.
* تقليل درجة إضاءة التليفزيونات عن طريق ضبط درجة السطوع، فكلما ارتفعت هذه الدرجة زاد استهلاك الكهرباء.
* عدم استخدام المصاعد والسلالم الكهربائية قدر المستطاع، وفقا لشعار «اثنان لأعلى وثلاثة لأسفل»، أى استخدام السلام فى الصعود لطابقين، وفى النزول لثلاثة طوابق.
ورغم بساطة هذه الإجراءات فإنها حققت نجاحا مبهرا فى توفير الكهرباء المستهلكة فى اليابان. وكانت كمية الكهرباء الموفرة من ضبط التكييف على 28 درجة من أهم الخطوات التى حققت وفرا، تلاها خفض الإضاءة، ثم تقليل درجة سطوع التليفزيونات.
وفى ضوء ذلك، يمكن القول إن قيام كل مصرى بدوره فى توفير الكهرباء يمكن أن يتحول فى النهاية إلى قوة هائلة تساعد فى مواجهة الظلام ليس فقط فى الصيف القادم، وإنما أيضا بعد ذلك. وهنا، يمكن للشركات الخاصة ورجال الأعمال لعب دور مهم، عن طريق الإعلانات فى وسائل الإعلام المختلفة للحث على توفير الكهرباء، أو عن طريق توزيع المنشورات والمطبوعات التى ترفع الوعى الشعبى بأهمية ذلك أو منح هدايا للمتميزين فى ترشيد الكهرباء. ويمكن أيضا الاستعانة بالمشاهير من الرياضيين والفنانين سواء فى تصميم وتنفيذ هذه الإعلانات أو فى توزيع هذه المنشورات فى الأماكن العامة المزدحمة. كذلك، يمكن للحكومة أن تمنح الشركات والأفراد الناجحين فى توفير الكهرباء شهادات تقدير وتميز لدورهم فى مواجهة أزمة الكهرباء التى تواجه الشعب المصري.
النتائج الخمس
ولكن لن تنجح العصا السحرية فى حل أزمة الكهرباء إذا استخدمها شخص واحد فقط. فشرط النجاح هنا تكاتف جميع فئات الشعب لتحقيق هذا الهدف المشترك. وفى الواقع، فإن هذا النجاح سيحقق خمس نتائج. أولا، تحاشى الظلام. وثانيا، خفض قيمة الفاتورة الشهرية للكهرباء. وثالثا، توفير النقد الأجنبى اللازم لدفع فاتورة الواردات من الخارج، بل من الممكن أيضا زيادة حصيلة النقد الأجنبي، فى حال سمح توفير الكهرباء بتصديرها إلى الدول المجاورة. ورابعا، المحافظة على البيئة وتخفيف الانبعاثات الضارة الناتجة عن محطات توليد الكهرباء. وخامسا، خفض دعم الطاقة، وأثره السلبى على عجز الموازنة العامة للدولة.

 

Similar Posts