الجرائم الإلكترونية تحت السيطرة

بقلم:نوره السويدى

بين ثنايا كل معطى حضاري يخدم الإنسانية لا بد أن يجد بعض ضعاف النفوس ثغرات ينسلون من خلالها ليعكروا صفو اغتنام ثمرات التطور، ويجعلوا من أدوات الحضارة وسائل لاقتناص حقوق الآخرين وهضمها، واستغلال غفلة الناس عن هفواتها.

والشبكة العنكبوتية «الإنترنت» التي أحدثت ثورة حضارية ممتدة، وحملت معها بذور النهضة والتطور لدى الكثير من الأمم حتى غدت نافذة تطل منها الإنسانية على فضاء منطلق ممتد لا يعرف الحدود ولا القيود؛ هذه الشبكة لم تسلم هي الأخرى من أيادي العابثين حتى جعلوا منها مصيدة للغافلين وسنارة آثمة يقتنصون بها جهود الآخرين وممتلكاتهم، بل تمادى البعض منهم حتى جعل منها أداة رخيصة تخترق حياة العامة وتضعهم بين مطرقة الابتزاز وسندان الفضائح.

والمعروف أن الجريمة الإلكترونية تختلف من حيث طبيعتها عن الجرائم القانونية العادية، وإن كانت لا تنفصل عنها من حيث وضاعة الأهداف ودورانها حول محور الإضرار بالناس لجلب المنافع الشخصية على اختلاف تلك المنافع مادية أو معنوية، عاجلة أو آجلة، ويسلك أربابها طرقاً شتى لتمرير أغراضهم ونيل أهدافهم عبر الوصول إلى المعلومات بشكل غير قانوني وسرقتها، أو الاطلاع عليها أو حذفها أو تعديلها بما يحقق هدف المجرم.

أو اختراق المواقع الإلكترونية وتخريب أنظمة المؤسسات العامة وابتزازها، أو الوصول إلى الأشخاص أو الجهات المستخدمة للتكنولوجيا بغرض التهديد أو الابتزاز، كما أن هناك لوناً جديداً يعد أخطر من جميع ما سبق يستند إلى الترويج للأفكار المتطرفة التي تضر بأمن المجتمع واستقراره وتهدد حياة الآمنين من الناس نتيجة لرواج أفكار تنبذهم أو ترفضهم من الجسد الاجتماعي.

هذه الحال الغريبة المريبة لم يسلم منها مجتمعنا كغيره من المجتمعات لا سيما وأن هذه المكتسبات الحضارية أتاحتها الدولة بمنتهى الانفتاح للجميع وسابقت الزمن في الوصول إلى آخر ما أفرزته الأمم المتقدمة في هذا الصعيد لتكون سهلة ميسرة بين أيدي أبناء الوطن وأداة للوصول إلى ما هو أفضل في خدمة الإنسان ونهضته.

لكن ما يريح النفوس على الجانب المقابل أن هذا التمادي من البعض ليس متروكاً على عواهنه، حيث انبرت الدولة لسن القوانين الضابطة لهذه الظاهرة، والحد من انتشارها وإضرارها بأمن المجتمع، وما وصلت إليه شرطة دبي كجهة أمنية رائدة في منطقة الخليج على سبيل المثال في هذا المجال يشكل قفزة متميزة تستحق الثناء في التصدي لمثل هذه الممارسات والإحاطة بها ومنعها قبل وقوعها وملاحقة المتورطين بها أينما كانوا، مع العلم أن مواجهة هذا النوع من الجرائم يتطلب تعاون العديد من الجهات التشريعية والقضائية والشرطة ومصممي البرامج وشركات الكمبيوتر لتأمين مواقع الإنترنت من خلال أنظمة حماية محكمة واستخدام برامج دائمة التحديث.

ولعل أبرز ملامح اهتمام شرطة دبي بقمع الجريمة الإلكترونية أنها أنشأت إدارة للأدلة الإلكترونية في الإدارة العامة للأدلة الجنائية وعلم الجريمة تتابع جرائم القرصنة الإلكترونية والاختراق وجرائم التجسس الإلكتروني والاختراقات والتخريب الإلكتروني على اختلاف مصادره وأنواعه.

وتشارك على الدوام في المؤتمراتالعالمية المعنية بهذا الجانب للوصول إلى آخر ما توصل إليه علم متابعة الجرائم من هذا النوع، كما أنشأت نظام «الشرطي الإلكتروني» والذي من خلاله يتم تعقب أي تجاوزات ومخالفات من الممكن استغلالها من قبل مستخدمي الخدمة، وهو جهد مبارك ينم عن دقة الحرص والمتابعة لمتطلبات الواقع، ويشير إلى سعة أفق شرطة دبي لمواكبة مثل هذه المستجدات ووضعها في الحسبان.

إلا أن الأمر يحتاج إلى النظر إليه من زاوية أخرى تتصل بالمستخدم العادي للشبكة العنكبوتية، وهو أن يكون ذا بصيرة واعية كي لا يقع فريسة لعناكب الإنترنت المتسللين، وذلك يتطلب الإلمام بأبجديات التعامل مع هذا الميدان الحضاري بعيداً عن السذاجة غير المنضبطة التي تجعل منهم صيداً وفيراً.

وأمر آخر يتصل بالأسر ومتابعة أبنائها والحرص على أن لا يكون الإنترنت ساحة للانفلات الأخلاقي الذي قد يجر الضرر للعائلة، وأن يغرسوا في الشباب الحذر والحيطة من تسليم خصوصياتهم لكل صديق افتراضي على الطرف الآخر من الشبكة لا يعرف مقصده ولا أهدافه ولا نواياه، ولا يأمن الشاب أو الفتاة أن تستغل هذه الخصوصيات لتكون أداة ضغط تحيل حياته جحيماً، لا سيما في مجتمع محافظ مثل مجتمعنا تحتل العادات والأخلاق والسمعة الاجتماعية مكانة أثيرة في سلم أولوياته ويحرص على صونها ورعايتها بشتى السبل..

ولربما سمع البعض بحادثة فيها من الألم بقدر ما فيها الغرابة تناقلتها بعض وسائل الإعلام، كان المجرم الإلكتروني فيها طفلاً في العاشرة من عمره، والضحية التي يحاول ابتزازها طفلة هي الأخرى في التاسعة من عمرها! فأين رقابة أهالي الطفلين عن ممارسات تبدأ بريئة وتنتهي بجريمة؟
نقلا عن صحيفه البيان

Similar Posts