الخوف والوحدة فى «ما رآه سامى يعقوب»

بعدما أمضى أشهر الصيف عاكفا على مكتبة أبيه يلتهمُ ما فيها التهاما، فبدأ بالمجلدات الضخمة ليروى ظمأه للمعرفة، توصل سامى يعقوب فى النهاية إلى أن التاريخ ما هو إلا عرضٌ يبدأ لينتهي، ثم يبدأ من جديد، لا تتغير فيه إلا أسماءُ الأبطال الذين يقفون على المسرح، ولا يدركون أنهم أنفسهم الشيء الوحيد الجديد فى العرض، وأنهم كغيرهم سينتهون ذات يوم، ويصبحون مجرد غبار كالنسيان، بعدها يطرح سؤالا : «لمَ كانت لأبى هذه الحياة ؟» لم تُسعفه الوقائع المتضاربة بتفسير مقنع، فتوصل إلى إجابة مُريحة «ليس هناك من سبب، أبى أحب قضيته، مثلما أحببتُ الفراشات».
هذا ما خلص إليه بطلُ رواية «ما رآه سامى يعقوب»، للروائى عزت القمحاوي، بغلاف ظهر عليه شابٌ (تسمر) بالأرض، ووقف خائفا يُحدق النظر إلى قط أسود قوَّس له ظهره متنمرا للهجوم عليه.
 
وتتناول الرواية نصف ساعة من حياة بطلها سامى يعقوب، استغرقها فى الطريق من جاردن سيتى إلى إمبابة للقاء حبيبته فريدة ، حيث اتفقا على أن يحتفلا بعيد ميلاده عندها، لكنه رأى فى الدقائق الأخيرة قبل وصوله ما جعله يعود أدراجه إلى شقته، ويُحكم إغلاقها على نفسه، ينظر بخوف إلى اسمها الذى يُعاود الظهور على شاشة تليفونه المكتوم الرنين.
 
وبين صفحات الرواية نستكشفُ حياة البطل سامى يعقوب، الذى يعيش حياته (بالطول والعرض) فيرفض أن يُسافر مع أمه الطبيبة أليس شتاينماير وأخيه يوسف إلى ألمانيا مرتين: المرة الأولى عندما ضاقت أمُه ذرعا من حياتها مع أبيه المهندس صبرى يعقوب الذى جعل قضية حياته ردَ شرف أبيه سالم يعقوب، وإلزام الداخلية بالموافقة على إقامة الاحتفال بذكراه فى ميدان التحرير، وضحى فى سبيل ذلك بالكثير من ماله وصحته، ومعاناة زوار الليل الذين كثيرا ما اقتادوه إلى المعتقل للاشتباه فى أمره، والمرة الثانية عندما أصر على بقائه وحيدا بين جدران شقة الأسرة بجاردن سيتى رغم وفاة والده، وقد تغلب على تلك الوحدة بتعرُفه على حبيبته فريدة ابنة إمبابة، تلك الفتاة التى نشأت تلهو وتلعب مع صديقات الطفولة، اللائى فرقت بينهن الأيام، لتنشغل كل فتاة بحياتها وعالمها الخاص، وسرعان ما تجد «فريدة فى حبها لسامى ما يعوضها عن هؤلاء الصديقات».
 
ويتمكن الكاتب من خلال ما يسمى(الفلاش باك) من عرض حياة كل من سامى وفريدة، اللذين جعلا من لقائهما مصدرا للنشوة والسعادة، وتخلصا من نكد المعيشة وأكدار الحياة.
 
وتلفت الرواية إلى أن بطلها سامى يعقوب – الذى كان يرى الأحداث قبل أن تقع، ويحب الفراشات والطيور، وتخر أمامه أسوأ الكلاب شراسة، وتموء أمامه القطط السمان، والتى لم يحببها يوما باعتبارها حيوانا أنانيا لا يمكن للمرء أن يلاحظ ابتسامته – استطاع الخوف الذى تملكه منذ الصغر، والوحدة التى خلًّفها موتُ أبيه وهجرة أمه وأخيه أن يُخرجه من شرنقة الأمان، التى حاول بكل وسعه أن يبنى جدرانها حول حياته.
 
جديرٌ بالذكر أن عزت القمحاوى روائى مصرى لم يحصر نفسه فى جيل أدبى معين، بل داوم التجريب والابتكار فى أعماله الأدبية، التى اتسمت بروح السخرية والفنتازيا، كما سعت إلى إبراز حياة الإنسان وسعادته من خلال احترام الحواس التى يوليها أهمية خاصة.
 
وقد أصدر القمحاوى أكثر من ثلاثة عشر كتابا أدبيا منها ست روايات، من بينها «بيت الديب» التى فازت بجائزة نجيب محفوظ عام 2012م، وتُرجمت إلى الصينية عام 2017م، و«البحر خلف الستائر»، و«يكفى أننا معا»، والتى وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد العالمية للكتاب عام 2017، كما تُرجم له إلى الإيطالية كتاب «العار من الضفتين»، ورواية «مدينة اللذة».
 
< ما رآه سامى يعقوب. عزت القمحاوي. القاهرة. الدار المصرية اللبنانية، 2019    

Similar Posts