قانون “التجارة الإلكترونية” .. ما أبرز القواعد التنظيمية؟!

 
يُمثل النمو غير المسبوق للاقتصاد الرقمى بداية لحقبة واعدة، ومليئة أيضًا بالتحديات فى مجال قانون وسياسة التجارة العالمية.
فهى تجارة واعدة لأنها يمكن أن تُسهم فى دمج الدول النامية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم فى الاقتصاد الرقمي،
وتمكين المستهلكين من الوصول إلى المنتجات الرقمية التنافسية عالميًا. ومليئة بالتحديات لأن الإطار القانونى الحالى الذى يحكم
التجارة العالمية أصبح غير ملائم على الإطلاق لمعالجة القضايا المعاصرة فى التجارة الإلكترونية.فى إطار إستراتيجية الدولة المصرية
للتحول نحو مجتمع رقمي، وجهود الحكومة لتهيئة البيئة التشريعية الملائمة لتشجيع مناخ الاستثمار وبناء اقتصاد رقمي، تعكف
وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالتعاون مع لجنة الاتصالات بمجلس النواب على إعداد مشروع قانون: “التجارة
الإلكترونية”، والذى من المتوقع أن يتضمن إجراءات لحماية العميل من المنتجات المُزيفة أو المواقع الوهمية، وأيضًا حماية
حقوق الدولة فيما يتعلق بتحصيل الضرائب من مواقع التسويق الإلكترونى “غير المُقننة”. نستعرض فيما يلى بعض الجوانب
المهمة التى يجب أخذها فى الاعتبار عند سن القوانين والإجراءات المنظمة للتجارة الإلكترونية.ثورة عابرة للحدود
مع تحول الاقتصاد العالمى إلى المجال الرقمي، تستمر طبيعة التجارة العالمية E-Commerce فى التغير. تشير التجارة
الإلكترونية تقليديًا إلى بيع وشراء السلع والخدمات عبر الإنترنت، وبدأت هذه التجارة فى إدراج مجموعة جديدة من الفرص
التجارية التى قد تعيق عمل الصناعات القائمة. فالسلع والخدمات التى يتم تداولها (رقميًا)، والمحتوى الرقمي، وتحليلات البيانات،
أصبحت جميعها تتحول بسرعة إلى سلع متداولة عالميا. حيث لا تؤدى التجارة الإلكترونية إلى إنتاج سلع وخدمات فحسب، بل
توفر أيضًا قناة لإشراك مجموعة أكبر من الشركات فى التجارة الدولية، بما فى ذلك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وأيضًا
رواد الأعمال (المرأة تحديدًا – فعلى سبيل المثال، تُشكل المرأة ما يقرب من نصف أصحاب المتاجر النشطة عبر الإنترنت فى
قطاع تجارة التجزئة التابع لشركة على بابا الصينية). لكن بالرغم من هذا الانفتاح العملاق، لا تزال العديد من القضايا القانونية
والتنظيمية قائمة، بل وربما تعرقل نجاح هذه الشركات.فجوة مُقلقةتكمن المُعضلة فى أن ابتكار السوق يتفوق على الإطار القانونى والتنظيمى للتجارة الإلكترونية العالمية، خاصة فى ظل غياب
القواعد الدولية المُنسقة، مما يثير تساؤلات حول التجارة الإلكترونية عبر الحدود. ومع نمو قطاع التجارة الإلكترونية، سيكون لدى
الشركات والحكومات والمستهلكين جميعًا مصلحة مباشرة فى كيفية تصميم وتنفيذ القواعد واللوائح ذات الصلة بالتجارة
الإلكترونية، بل وسيصبح من المهم – بشكل خاص – التأكد من توازن مخاوف أصحاب المصلحة من تطور هذه الإجراءات.
جهود تستحق الاهتمامفى هذا الصدد، قام الخبراء العالميون بإنشاء دليل قانوني للتجارة الإلكترونية، كأداة سهلة الاستخدام،
تقيس الاتجاهات العالمية فى تنظيم التجارة الإلكترونية، والممارسات التنظيمية القائمة فى مختلف أنحاء العالم، والدروس
الشاملة، ووجهات النظر المختلفة لأصحاب المصلحة. هذا الدليل تم إعداده بالتعاون بين “مركز المشروعات الدولية الخاصة
CIPE – مؤسسة غير ربحية تابعة لغرفة التجارة الأمريكية”، و”مختبر الأسواق الجديدة NML” – منظمة غير ربحية تعمل فى مجال
الإصلاح القانونى والتنظيمى التجارى فى الأسواق النامية”.
يهدف هذا الدليل القانونى إلى مساعدة الشركات والمستهلكين على فهم طبيعة القواعد القائمة المحيطة بالتجارة الإلكترونية،
وتوفير أساس للدفاع عن احتياجات أصحاب المصلحة، وذلك استنادًا إلى الخيارات التنظيمية وأفضل الممارسات العالمية (خاصة
وأن العديد من الدول النامية لا تزال تفتقر إلى قواعد التجارة الإلكترونية ذات الصلة)، هذا بالإضافة إلى تحفيز المنافسة والنمو
الشامل. ويركز الدليل على أربع مجالات ذات أولوية:
(1) المعاملات الإلكترونية (على وجه التحديد الدفع الإلكترونى e-payment، والتوقيع الإلكترونى e-signature).(2) حماية البيانات.(3) الأمن السيبراني.(4) حماية المستهلك.بالطبع تؤثر هذه القضايا التنظيمية على كل حلقة من سلسلة التوريد الخاصة بالتجارة الإلكترونية، بدءًا من الهيكل التنظيمى
لشركة ما قبل المعاملة (مثل: تعيين موظف حماية البيانات)، وإتمام المعاملة (مثل: اعتماد خدمات الدفع الإلكترونى بأسعار
معقولة)، إلى قضايا ما بعد المعاملة (مثل: حق المستهلك فى الانسحاب من المعاملة). فى إطار هذه المجالات، يجب تحقيق التوازن بين القطاع الخاص والحكومة كالتالى:أولًا: تنظيم المعاملات الإلكترونية
تمامًا مثل التجارة التقليدية، تتكون التجارة الإلكترونية من المعاملات والاتفاقات بين الجهات الفاعلة على طول سلسلة التوريد.
وبالتالي، فمن المُرجح أن تظهر العديد من المشكلات، مثل: مصادقة الاتفاقية وتلقى المدفوعات وحل النزاعات عند ظهورها
(يتم تغطيتها ضمن حماية المستهلك).(1) المدفوعات الإلكترونية: بالنسبة لكل شركة تعمل عبر الإنترنت، يمكن أن تُشكل المدفوعات الإلكترونية عقبة كبيرة، خاصة عند
العمل عبر الحدود والأنظمة المالية. وهنا، يرغب مُقدمو خدمات التجارة الإلكترونية فى التأكد من تحصيل المدفوعات دون
تأخير. كما يتعين على الحكومات التأكد من أن المعاملات تحمى الأشخاص ذوى القوة السوقية الأقل.
نتيجة لذلك، فإن المدفوعات الإلكترونية تميل إلى أن تكون منظمة بشدة فى جميع أنحاء العالم، مع اتباع مناهج مختلفة تعتمد
على نوع نظام الدفع الإلكترونى المستخدم. تشمل الأولويات المشتركة لكل من القطاعين العام والخاص، منع الاحتيال والامتثال
للمتطلبات المصرفية والمسائل الأمنية على مستوى المعاملات. أيضًا يجب على الحكومات أن تعطى الأولوية للبنية التحتية
المؤسسية، والتى يمكنها التحقيق فى المشكلات عند ظهورها، وتنفيذ القواعد فى حالة حدوث انتهاك.
(2) التوقيع الإلكتروني: أصبح التعاقد الإلكترونى بديلًا عن العقود المكتوبة بخط اليد. وبالتالي، فإن القواعد الواضحة للتوقيعات
الإلكترونية تعتبر أمرًا ضروريًا، للتأكيد على إبرام عقد قابل للتنفيذ. توفر أنظمة التوقيع الإلكترونى ضمانًا بأن الالتزامات من جانب
كل من البائع والمشتري، صالحة وقانونية وقابلة للتنفيذ.ثانيًا: حماية البيانات
أسهمت التجارة الإلكترونية فى دفع الإنتاج والتداول الدولى لمقدار غير مسبوق من البيانات. الأمر الذى جعل مسألة حماية
البيانات أمرًا مفروغًا منه، وذلك لحماية الأمن القومى للبلاد، وأيضًا لطمأنة المستهلكين بشأن حماية الخصوصية. فعلى الصعيد
العالمي، تظهر أرضية مشتركة لكيفية التعامل مع دورة حياة البيانات (الجمع، المعالجة، التخزين، النقل)، هذا بالإضافة إلى
القضايا الشاملة الأخرى (الاستجابة لخرق البيانات، تطبيق الولاية القضائية، حقوق أصحاب البيانات). وبالتالي، هناك حاجة لمزيد
من الاهتمام بهذا الشأن، من أجل الحفاظ على الشركات الصغيرة والمستهلكين.ثالثًا: الأمن السيبرانى
أصبح الأمن السيبرانى مصدر قلق عالمي. ففى السنوات الأخيرة، نمت الهجمات على أجهزة الكمبيوت
ر وشبكات المعلومات، سواء العامة أو الخاصة، مما كان له تأثير سلبي على الحكومات والصناعات والمستهلكين. وقد تم
تطوير الإطار التنظيمى للأمن السيبرانى على ثلاث مراحل: تشريعات الجريمة السيبرانية على المستوى الوطني، تليها المعايير
والمبادئ التوجيهية التى إنشاؤها من قبل القطاع الخاص، ومؤخرًا تشريعات أوسع نطاقًا لتنظيم الأمن السيبرانى بشكل
شامل.رابعًا: حماية المستهلك
تعتبر حماية المستهلكين أكثر أهمية فى الاقتصاد الرقمي. حيث تُعد ثقة المستهلكين فى التجارة الإلكترونية شرطًا أساسيًا
لمشاركتهم فى التسوق عبر الإنترنت. ومع ذلك، قد تكون أنظمة حماية المستهلك التقليدية غير كافية لمعالجة ممارسات معينة
للتجارة الإلكترونية (مثل: الإعلان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتى تتطور باستمرار لاستيعاب عادات المستهلكين المتغيرة).
وللأسف، تفتقر معظم الحكومات إلى معايير بشأن أفضل الطرق لتنظيم توفير هذه الحماية. تميل المناهج التنظيمية إلى التركيز
على كيفية توازن الحقوق والالتزامات بين أصحاب المصلحة (الحكومات – الصناعة – المستهلكين)، وأيضًا كيفية دمج اعتبارات
التجارة الإلكترونية فى أنظمة حماية المستهلك التقليدية.
تحديات مُربكةتعمل العديد من الدول على تكامل المهام (مثل: وضع القواعد، وبناء القدرات، والإنفاذ)، بالإضافة إلى إنشاء هيئة
رقابية تنظيمية مركزية، والتى تعمل على تقليل الفجوات التنظيمية وضمان تناسق السياسات وتبسيط التزامات الامتثال
للمؤسسات. بالنسبة للقضايا التى تنشأ فى التجارة عبر الإنترنت والتجارة التقليدية أيضًا (مثل: الدفع وحماية المستهلك)، نجد أن
معظم الدول تحافظ على الأطر المؤسسية القائمة، مع إنشاء وحدات خاصة أو الاشتراك فى كيانات جديدة، لمواجهة التحديات
الناشئة عن التجارة الإلكترونية. يُشكل التنفيذ والتطبيق تحديا مستمرًا فى جميع أنحاء العالم، وذلك نظرًا للقضايا التى تنشأ من
القيود المفروضة على القدرات داخل القطاعين العام والخاص. أيضًا هناك تحدٍ كبير آخر ناجم عن الاختلافات داخل الأنظمة
التنظيمية وعبرها.على الصعيد المحلي، قد تحتاج الشركات إلى الالتزام بلوائح ومعايير متضاربة ومُربكة. أما على الصعيد
العالمي، لا يوجد حتى الآن نهج مشترك، لتنسيق المبادرات الوطنية وإدماجها للعمل مع أنظمة التجارة الإلكترونية المختلفة. هذا
النقص فى التوافق التنظيمى والتشغيل البينى بين المعايير والتكنولوجيات المختلفة، يمكن أن يعرقل إتمام المدفوعات
الإلكترونية الدولية على سبيل المثال.لم تقم بعض دول العالم بسن أطر قانونية وتنظيمية ذات الصلة بتنظيم التجارة الإلكترونية
بشكل عام، أو حتى المجالات الأربعة التى أشرنا إليها أعلاه. فى حين، بدأت بعض الدول النامية (التى قد لا تكون رائدة فى
التجارة التقليدية) تخطو خطوات كبيرة، لإتاحة بيئة مواتية للتجارة الإلكترونية (التى قد تكون متفوقة على الدول المتقدمة)، مما
يزيد من حصة هذه الدول فى التجارة الرقمية، ويُمكن اقتصاداتها من القفز أو استكمال إستراتيجيات التنمية التقليدية من خلال
التصنيع.أخيرًا، ينبغى أن تستند المناهج التنظيمية فى أى اقتصاد إلى ظروف سياسية واجتماعية وسوقية محددة. فعلى سبيل
المثال، بالنسبة لحماية المستهلك، نجد أن تركيز “الصين” على منصات الطرف الثالث لمراقبة الموردين عبر الإنترنت والإشراف
عليها، هو العنصر الأساسى فى هيكلة السوق المحلي، حيث يهيمن عدد صغير من اللاعبين الذين يحصلون على تمويل جيد
على قطاع البيع بالتجزئة. لكن، قد لا يكون هذا النهج فعالًا فى الأسواق التى يوجد بها عدد كبير من الشركات الصغيرة والمتوسطة.

 

Similar Posts