بذور أثرية تكشف تراجُع التنوع الوراثي للذرة الرفيعة

يمثل التنوع الوراثي للمحاصيل الزراعية عاملًا حاسمًا في تطوير أصنافٍ جديدة من المحاصيل عالية المَردود، وسريعة النمو، وذات قُدرة كبيرة على تحمُّل عوامل الحرارة والجفاف والملوحة، ومُقاوَمة الآفات والأمراض. لكن هذا التنوع الوراثي يواجه تراجعًا كبيرًا في مكونين أساسيين، هما: المخزون الوراثي داخل كل محصول، وعدد الأنواع التي يشيع زراعتها، وذلك بسبب الأعمال البشرية التي تقود تنوُّع النظم الإيكولوجية للأرض، وتقضي على الجينات والأنواع والصفات، ما يضع الأمن الغذائي لأجيال المستقبل في خطر.
هذا الخطر عبرت عنه بوضوح منظمة الأغذية والزراعة والزراعة للأمم المتحدة “فاو”، التي اعتبرت أن هذه الخسارة سيكون لها أبلغ الأثر على تلبية البشرية لاحتياجاتها من الغذاء في المستقبل، حينما يبلغ قوام سكان الأرض 9 مليارات نسمة بحلول 2050.
وتُعتبر دراسة التاريخ الوراثي اﻷحفوري للأصناف النباتية أحد أهم العلوم البيولوجية المعنية بدراسة التاريخ الطبيعي لتطور وظهور اﻷصناف النباتية من الناحية الوراثية، عن طريق الحصول علي عينات نباتية أثرية من الكهوف القديمة والمعابد والمقابر اﻷثرية، ومقارنة محتواها الوراثي من تتابعات الحمض النووي والجينات بنظيراتها من الأصناف النباتية في العصر الحديث والمتداولة محليًّا أو دوليًّا.
في هذا الإطار، كشفت دراسة دولية قادها باحثون بجامعة وارويك البريطانية، أن عينات من بذور الذرة الرفيعة مأخوذة من موقع أثري بمحافظة أسوان المصرية، أظهرت تراجُع التنوع الوراثي للذرة الرفيعة عبر الزمن. قال البروفيسور روبن آلابي، قائد فريق البحث، في حديث لـ”للعلم”: إن النتيجة الرئيسية للدراسة خالفت توقعاتنا، إذ اكتشفنا أن التنوع الوراثي للذرة الرفيعة انخفض تدريجيًّا بمرور الوقت، بالتزامُن مع لجوء الإنسان إلى تدجين النباتات أو استئناسها.
وأوضح “آلابي” أن الدراسة كشفت أن أحد العوامل الرئيسية المساهمة في فقدان التنوع الوراثي لبذور الذرة الرفيعة هي الطريقة التي تمت زراعتها بها على مدى 6000 سنة مضت، والتي يتم فيها انتقاء مجموعة صغيرة من النباتات تُستخدم لزرع الجيل التالي، ما يحد من فرص التنوع الوراثي، قاصرةً إياه على المخزون الوراثي لما جرى انتخابه من نباتات فقط، مشيرًا إلى أن إجراء تغييرات على هذه الممارسة يمكن أن يساعد في الحفاظ على تنوُّع الذرة.
وتدجين النباتات هو العملية التي تطورت بها النباتات البرية لتصبح نباتاتٍ محصوليةً من خلال عملية الانتقاء الاصطناعي، وهي عملية تتضمن عادةً إحداث تهجين مبكر تتبعه تربية انتقائية، بغرض الحصول على جيل جديد من النباتات له صفات خاصة مرغوبة من حيث اللون والشكل والحجم وحجم المحصول، ومدة الإزهار ووقت النضوج والرائحة والمذاق ومقاومة الآفات والحشرات، بالإضافة إلى غيرها من الصفات الأخرى الخاصة بالنباتات، بحيث تتكيف مع الظروف التي تعيش فيها والوسط العام للمنطقة، وذلك لسد حاجة سكان الأرض من الغذاء.
جاءت هذه النتائج المنشورة مؤخرًا في دورية “نيتشر”، بالتعاون مع علماء في متحف التاريخ الطبيعي في الدنمارك، والمتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في واشنطن، والمعهد الأثري النمساوي، وجامعة كوينزلاند في أستراليا، وكلية لندن الجامعية

Similar Posts