علاج الآلام المزمنة بواسطة ممارسة الرياضة البدنية

 
مم تنبع آلام المفاصل المزمنة، وكيف يمكن معالجتها من خلال نظرة عامة على جسمنا, واتباع نهج متعدد التخصصات العلاجية مثل الرياضة.
 
تعتبر الام العظام مشكلة شائعة جداً. في معظم الحالات، يكون الألم متمركزاً في المفاصل، نتيجة للعبء الميكانيكي، إحتكاك المفصل وتاكله، إلاً أنه قد يؤدي إلى إنعكاس وظهور الألم في أعضاء أخرى في الجسم بعيدة عن المفصل. عندما تصبح هذه المشكلة مزمنة ومصحوبة بإلتهابات متكررة، تصبح مستقبلات الألم أكثر حساسية. هل فكرتم بعلاقة ممكنة بين الرياضة وعلاج الالام المزمنة، تابعوا القراءة!
قد يكون الألم المزمن مرتبطاً بحالات مرضية أخرى، مثل الصداع، الصداع النصفي (الشقيقة)، إلتهاب المفصل، الإعتلال العصبي الناجم عن فيروس الهربس النطاقي، داء السكري، خلل في تدفق الدم والأمراض السرطانية. وقد تم الإعتراف في السنوات الأخيرة بكون الألم المزمن بصفة عامة، وألم المفاصل على وجه الخصوص، مرضاً بحد ذاته.
الألم هو الية لحماية أجسامنا، تهدف إلى الحفاظ علينا من العوامل الخارجية والداخلية، التي تخل بعمل الجسم السليم. يوجد مركب فيسيولوجي للألم، والذي قد يكون نتيجة لعوامل منبهة مختلفة، مثل:

التحفيز الميكانيكي: يشغل ضغطاً مباشراً على العصب، كالإنزلاق الغضروفي في العمود الفقري.
التحفيز الكيميائي: الناجم عن مواد سامة أو مواد إلتهابية، كالام البطن النابعة من إضطرابات المعدة.
التحفيز الناجم عن الحرارة والحرق، كما عند التعرض للحروق، على سبيل المثال.

عند تحفيز مستقبلات الألم، يقوم جهاز الأعصاب المحيطي بإرسال إشارات إلى الدماغ، عن طريق المسار المسؤول عن الألم في الحبل الشوكي. إذا كانت وتيرة وشدة الألم كبيرة، قد تحصل تغييرات ثانوية في جهاز الأعصاب، والتي تؤدي بدورها إلى تعزيز مسار الألم وتكريسه، مما يؤدي إلى حالة الألم المزمن.
يعتبر الألم ظاهرة تختلف من إنسان إلى اخر. وفي جميع الحالات، عندما نشعر بالألم، فإننا نشعر بعدم الإرتياح، في البداية، ومن ثم نشعر بالخوف ونبدأ بالقلق، الأمر الذي يجعلنا نلجأ إلى جهة مختصة طالبين مساعدتها في تخفيف الألم الذي نشعر به.
عندما يدور الحديث عن الام المفاصل، فإن العلاج المتبع يشمل مسكنات الألم، الأدوية من مضادات الإكتئاب اللاستيرويدية من مجموعة NSAIDS والعلاجات الطبيعية الموجهة إلى مناطق معينة. لكن الألم يخف لفترة زمنية قصيرة، وعندما يختفي تأثير مسكنات الألم وتنتهي سلسلة العلاجات الطبيعية، يعود الإلتهاب من جديد، ومعه الألم.
 
 
وتبدأ دائرة الألم من جديد، ترافقها لحظات من الأمل تارةً ولحظات من اليأس تارةً أخرى، ما بين فترة يختفي فيها الألم وفترة يعود فيها، دون التخلص بشكل نهائي منه، مع ما يترتب على ذلك من معاناة وشعور بالاحباط. فعلى سبيل المثال، تؤدي الام الظهر المزمنة إلى جعل الشخص الذي يعاني منه عاجزاً عن القيام بأي نشاط.
تؤدي الحلول الفورية إلى التخفيف من حدة الالام وتسكينها بشكل مؤقت، إلا أنه سرعان ما تعود إلى سابق حدتها بعد القيام بحركة غير صحيحة أو الجلوس بوضعية غير مريحة.
ينتقل المريض على مر السنين من طبيب إلى اخر، بمن في ذلك: أطباء العظام، أخصائيو المعالجة اليدوية، أخصائيو العلاج الطبيعي، أخصائيو علم المنعكسات والقائمة تطول. كل هذه العلاجات تؤدي إلى التخفيف من حدة الألم، إلا أن العظام والمفاصل لن تعود إلى ما كانت عليه عندما كنت شاباً، وهكذا فإنه بدون إحداث تغيير حقيقي، سيعود الألم وسيبقى الجسم  متصلباً.
يمكننا إحداث ثورة في العلاج، فقط عن طريق إحداث تغيير جذري، وتصبح النظرة الموجهة إلى ألم المفاصل نظرةً عامةً أكثر. أي، عندما نقوم بمعاينة أداء الأجهزة المتعددة في الجسم، بسبب إدراكنا لحقيقة أننا لا بد من أن نغير العوامل والمسببات التي تسرع عملية تأكل المفاصل مع مرور الوقت.
على سبيل المثال، قد يقترح طبيب العظام عليك أن تجري عملية جراحية لعلاج تاكل الغضروف في الركبة، إلا أنه إذا كان التاكل ناجما عن نمط مشي خاطئ، نتيجة للجنف في الظهر لم تتم معالجته طيلة سنوات، فإن العملية الجراحية لن تفلح في تحسين الحالة. إضافةً إلى ذلك، إذا كنت تعاني من الوزن الزائد، فإنه يزيد من الوزن غير المتجانس الذي تحمله الركبة، مما يؤدي إلى استمرار عملية التاكل، طالما لم نقم بتقوية الظهر، تحسين نمط المشي وتخفيف الوزن.
مفترق الطرق في معالجة شتى عوامل الألم، في هذه الحالة، على غرار العديد من الحالات الاخرى، يتمثل في العلاج الخاضع للرقابة على يد طاقم مهني يقوم بالإعتناء والإهتمام بالعوامل الفيسيولوجية، البيئية والنفسية في حياتنا، والتي تؤثر على الألم. تشغيل الجسم بشكل يتلاءم مع المشكلة وإعطاء تحفيزات موجهة للأجهزة الفيسيولوجية العضلية والعصبية،  يشكل عنصراً هاماً في العملية العلاجية.
من المهم تشخيص العضلات التي يجب تقويتها، من أجل تحسين القدرة على التوازن والحركة. يعتبر تحديد النقاط التي تسبب الالام المزمنة في الظهر، العنق، الركبتين، الكتفين أو في أي عضو اخر، أمراً بالغ الأهمية.
يجب أن نتحقق من المناطق التي يتواجد فيها توتر أكثر أو أقل مما يجب، في العضلات، ينبغي فحص التوازن العضلي، قوة ومدى فعالية إنقباض العضلات الهيكلية. كما يجدر بنا أن نقيم عوامل الخطر الإستقلابية عن طريق إجراء فحوصات دم وغيرها من الفحوصات، ومعالجة هذه العوامل عن طريق اتباع نظام غذائي خاص وممارسة الرياضة التي تتم ملاءمتها بشكل شخصي، إضافةً إلى تقنيات الإسترخاء والعلاجات الطبيعية الموجهة لنقاط معينة في الجسم.
خلال السنوات الأخيرة، أصبح من المتبع توجيه المرضى الذين يعانون من الالام المزمنة إلى عيادات الألم المزمن، والتي تقوم بدورها بطرح حلول دوائية في العادة، إضافةً إلى الطب البديل. قد يوصي الأطباء المريض بممارسة الرياضة المعتدلة، دون التشديد على أمور معينة لملاءمة النشاط البدني له بشكل شخصي، ودون أن يتلقى الشرح بخصوص طريقة تنفيذ برنامج التدريب، وتكون النتيجة أن النشاط البدني قد يؤدي إلى تفاقم حدة الألم وقد يسبب أيضاً إلحاق الضرر بالجسم.
في مسح  للمراجع العلمية، هنالك عدد لا بأس به من الأدلة التي تشير إلى اهمية ممارسة الرياضة لتخفيف الألم المزمن. في دراسة تحليلية شملت 16 بحثا مختلفا تناولت هذا الموضوع، تبين بأن ممارسة الرياضة فعالة في تخفيف الألم أكثر من العلاج الدوائي المحافظ.
يعود نجاح العلاج إلى تأثيره متعدد النطاق، التأثير الفيسيولوجي والنفسي الذي يمنحنا إياه النشاط البدني:
1. النشاط البدني الهوائي الذي يتخلله إرتفاع معدل نبضات القلب، يؤدي إلى إرتفاع مستوى الإندورفينات في الدم، والتي تتسم بخصائص فيسيولوجية لتخفيف الالام، الإسترخاء وتثبيط بوابة الألم على غرار ما يفعله الأفيون.
2. تؤدي تمارين الرياضة المقاومة إلى تعزيز توازن العضلات وخفض العبء والضغط الميكانيكي على المفاصل، وبالتالي يقلل التحفيز العظمي ومستوى الإلتهاب.
3. يؤدي تشغيل المفاصل بشكل متجانس إلى إنتاج الغشاء الزليلي (synovium)، وهو عبارة عن زيت طبيعي يقلل من مستوى الإحتكاك داخل المفصل.
4. يمكننا، عن طريق النشاط البدني الفعال، أن نجدد تدفق الدم إلى الأعضاء المصابة وبالتالي فإن ذلك يسهم في تسريع عملية تماثلها للشفاء.
5. النشاط البدني الهوائي يشجع على حرق الدهون الزائدة، ويسهم في خفض الوزن الزائد الذي يثقل كاهل المفاصل وغيرها من الأعضاء.
6. يؤدي النشاط البدني إلى تخفيف التوتر والقلق، وبالتالي فإنه يشجع على الإسترخاء ويمنع الإصابة بالإكتئاب الذي يمكن أن يرافق الألم المزمن، أو أن ينتج عنه.
7. قد تؤثر أساليب النشاط البدني (الرياضة) على جهاز الأعصاب الحسي بشكل إيجابي، فتؤدي إلى خفض مستوى حساسيته للألم.
8. تقوية الجسم، زيادة مرونة العضلات وتحسين مجال الحركة، جميعها تتيح الحصول على حركة وتوازن أفضل، مما يمنع تاكل المفاصل، الأوتار والعظام.
إن فهم الاليات التي تشترك في ألم العظام المزمن قد يساهم في إعطاء العلاج المناسب لتخفيف الأعراض ومسببات المرض على حد سواء. إن الرياضة التي يتم تعديلها بما يتلاءم فيسيولوجياً مع إحتياجات الجسم، هي أمر بالغ الأهمية في العلاج. قد يؤدي التحفيز الجسدي الذي لا يكون ملائماً إلى إلحاق الضرر وتفاقم الألم ولذلك من المحبذ أن يتم العلاج تحت إشراف طاقم متعدد التخصصات، بمن في ذلك: أخصائي العلاج الطبيعي، إختصاصي الفيسيولوجيا، طبيب رياضي، أخصائي تغذية وأخصائي نفسي ومعالج بالطب البديل. بالطبع، هذا الأسلوب العلاجي ليس سحرياً والعملية العلاجية تتطلب الوقت، قوة الإرادة والإلتزام، ولكن النتيجة (المرجوة) في نهاية المطاف، هي التحسن في أداء وجودة الحياة لسنين طويلة.
 
 
 

Similar Posts