خفض التيسير الكمي الأميركي يهدد الأسواق الناشئة

توقع خبراء مصرفيون أن يتجه مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) باجتماعه الأربعاء المقبل إلى خفض قيمة برنامج التيسير الكمي عن مستواه الشهري الحالي عند 85 مليار دولار إلى 70 مليار دولار شهرياً، مؤكدين أن مثل هذا التحرك إن صحت التوقعات بشأنه سيكون له أثر سلبي على أسواق الأسهم العالمية وبالذات الناشئة، وسيؤثر بشكل أقل على أسواق راس المال الخليجية المدعومة بالنمو واستقرار أسعار النفط.
وأجمع مصرفيون على أن قرار خفض التسهيلات المالية الحكومية للبنوك والمؤسسات المالية العاملة في أسواق رأس المال، في حال جرى اتخاذه سيقتصر على التمويلات المالية للسندات المصدرة للبنوك وشركات الاستثمار المالي المحددة حصتها الحالية من إجمالي التيسير بمبلغ 45 مليار دولار شهريا، ولن يطال التيسير الكمي الموجه لضمانات الرهونات العقارية الأميركية المخصص لها 40 مليار دولار شهرياً.
من جهتها قالت أستاذة التمويل في جامعة الكويت الدكتورة حصة العجيان، إنه لا بديل عن سياسات التيسير الكمي، موضحة أن مؤشرات مهمة في أسواق الأسهم الأميركية، مثل مؤشر داو جونز ارتفع بمعدلات تصل الى 18% بشكل يأتي انعكاسا لهذه السياسات التي باتت وللاسف المعول الاساسي لاستقرار اسواق راس المال ولا بديل غيرها يبشر المستثمرين بمزيد من الثقة.
واعتبرت العجيان أن أبرز أثر مباشر لخفض قيمة التيسير الكمي الاميركي، سيكون رفع اسعار الفائدة الاميركية وهذا توجه مغاير للواقع الحالي وسيشكل ربما صدمة للاسواق المالية وبالتالي فإن دقة التوقعات تقل حول القرار المرتقب صدوره بعد يومين عن مجلس الاحتياط الفيدرالي الاميركي.
ورأت أن سياسات ضخ الأموال الحكومية في البنوك واسواق المال، تكافئ المقترض على حساب المدخر والمستثمر، وفي هذا انعكاس واضح لحالة عدم الاتزان التي تعاني منها الأسواق بسبب الازمات المتتالية منذ 2008 لكن البديل على الوجه الآخر “هو لا شيء لا يمكن للحكومات إلا ضخ الأموال وهذه معضلة حقيقية يشهدها العالم”.
بدوره رأى رئيس ادارة الخزينة في احد البنوك الخليجية الكبرى، فضل عدم ذكر اسمه، أن القلق المتزايد من التحرك الوشيك للفيدرالي الاميركي مبرر على مستوى عالمي، لكنه لا يرقى إلى التأثير الكبير على المستوى الخليجي فأسواق الاسهم في دول مجلس التعاون تعتمد على الطلب المحلي الداخلي المتنامي الى جانب تزايد الثقة العالمية بها وستكون بعض الشيء في منأى عن تداعيات أية قرار يفضي إلى خفض سياسة التيسير الكمي الاميركي.
وقال إن سياسة التيسير الكمي، المتمثلة بشراء وزارة الخزانة الاميركية لسندات بنوك ومؤسسات مالية اميركية بهدف دعم اسواق الاسهم نجحت بالفعل في دعم الاستثمار والارتفاعات في الاصول الخطرة ذات العوائد الجيدة لكنها وللاسف فشلت فشلا واضحا في استعادة مستوى الطلب الاقتصادي والاستهلاك المحلي الاميركي، لأن الأموال الحكومية تذهب الى البنوك والمؤسسات المالية ولا تجد طريقها على شكل قروض الى الافراد وبالتالي لا تترك تلك السياسات الأثر المطلوب منها أساسا والذي أجريت من أجله.
من جهته أيد متداول في سوق تبادل العملات بين البنوك، التوقعات القائلة بأن الخفض الوشيك لسياسات التيسير الكمي إن حصل، سيكون في حدود تتراوح بين 5 مليارات دولار إلى 15 مليار دولار عن المستوى الحالي البالغ 85 مليار دولار شهريا، ليشير إلى ما حصل قبل ثلاثة أشهر من هبوط وتهاوٍ كبير في الأسواق الناشئة في البرازيل والصين والهند لمجرد الحديث عن توجهات لخفض سياسات التيسير الكمي الأميركي، متسائلا كيف ستكون الحال هذه المرة لاسيما أن التحرك أكثر جدية وأقرب للواقع.
واستبعد رئيس قسم المحاسبة بجامعة الكويت الدكتور صادق البسام، حدوث هزة في أسواق كل من السعودية والإمارات والكويت جراء مثل هذا التحرك، لكنه لفت إلى أهمية الانتباه الى الاثر السلبي لهذا التحرك على الاستثمارات الخليجية والعربية عموما في الاسواق الناشئة او في الاسواق الاميركية والاوروبية نفسها التي ستتلقى الضربة الاكبر في حال حصل الخفض في التيسير الكمي الذي لم يعد يجدي نفعا في تحقيق الهدف الاساسي منه وهو استعادة التعافي الاميركي.
وأكد أن دولاً عانت بشكل أقل من الأزمة المالية العالمية، مثل اليابان وسويسرا تقومان بضخ أموال في الأسواق المالية لبلديهما تفوق التسهيلات الأميركية قياسا إلى حجم الناتج الإجمالي لكل بلد، لكن القيمة المطلقة الأكبر لسياسات التيسير الكمي تظل أميركية بلا منافس.
من ناحية أخرى دلل عضو مجلس إدارة أحد البنوك الكويتية، على تفاقم الضخ المالي الحكومي في أسواق راس المال الأميركية، بالقول إن الفيدرالي الأميركي قد بدأ بسياسات التيسير الكمي، منذ فجر الأزمة المالية العالمية في العام 2008، بمبلغ 800 مليار دولار حتى وصلت قيمة فاتورة التيسير الكمي حاليا إلى 4 تريليونات دولار وهو رقم مهول يعبر في حقيقته عن الإفراط في طباعة العملة الأميركية مقابل ضمانة اسمها “لا شيء”.
وقال المصرفي الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن الولايات المتحدة تستفيد من كون الدولار يستحوذ على معظم مدخرات واحتياطيات العالم وتقوم بطباعته وشراء المزيد من السندات في أسواق المال ثقة منها بأن قيمته لن تهبط ما دام ظل هو الوعاء الأكبر في العالم لحفظ المدخرات والسندات المالية بلا منازع، وهنا تكمن حقيقة المشكلة التي تتسبب في الإفراط في ضخ الأموال الحكومية في أسواق الأسهم إلى مالا نهاية.

Similar Posts